زيارة.. ودلالات ؟

سعيد بن عياد
17 ديسمبر 2012

تفرض الجغرافيا وتراكمات التاريخ بناء وإقامة علاقات تبادل وحسن الجوار بين الدول خدمة للمصالح المشتركة.
وضمن هذا المسعى يمكن تأسيس علاقات بين الجزائر وفرنسا تفتح آفاق المستقبل دون القفز على الذاكرة وبالذات الحقبة الاستعمارية التي تختزن ماض يمكن معالجته بامتلاك ضيف الجزائر الجرأة والشجاعة للنظر جيدا في المرآة وتسمية الأمور بمسمياتها كون الحقيقة التاريخية أكبر من توضع بين قوسين.
بلا شك أن العلاقات تستمر في ظل تنافس على الأسواق وسباق للحصول على حصص فيها، ويمكن إقامة نظام تبادل استثماري مفيد للجانبين في وقت أظهرت فيه الجزائر رغبة قوية لمد جسور التعاون بين الضفتين من خلال مشاريع إنتاجية ذات استثمارات فعلية تنتج القيمة المضافة وتوطد الثقة بين المتعاملين على غرار مشروع مصنع رونو لتركيب السيارات.
ويمثل هذا الملف اختبارا ملموسا للجانب الفرنسي من حيث مدى الرغبة الصريحة في النظر للواقع بنزاهة بعيدا عن انانية الجيواستراتيجيين الذين يعدون الخطط بمفردهم ولحساباتهم الذاتية بينما الواقع يفرض مراجعة الذات والقبول بخيار الشراكة المتوازنة والرابحة للطرفين وتخدم مصالح البلدين والشعبين.
لا يمكن فهم خلفيات التحجج بما يوصف لدى البعض عراقيل أمام الاستثمار مثل قاعدة ٥١ / ٤٩ التي أظهرت التجربة أنها لا تعرقل الاستثمار كما هو الحال للشراكة الجزائرية الأمريكية لإنتاج جرارات فلاحية ذات جودة وقد تم الكشف عن أول جرار أنتجته وحدة قسنطينة قبل يومين فقط.
الكرة تبقى في مرمى الجانب الفرنسي بدءا من المقررين السياسيين إلى المتعاملين الاقتصاديين مرورا بالنخبة المثقفة والإعلاميين في بلاد الجن والملائكة حيث لا يزال بعض المتطرفين يسبحون ضد التيار ويحملون مواقف تقليدية لا تصمد أمام الحقيقة الراسخة في الذاكرة الجماعية التي تبقى في خندق مقاومة النسيان والتناسي.
وإذا كانت زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تحمل من دلالات فإنها  قد تحمل خطوة يمكن أن تساهم في إعادة صياغة الموقف الفرنسي تجاه كافة الملفات خاصة وهو أول رئيس فرنسي اعترف ولو بخجل بجريمة ١٧ اكتوبر ١٩٦١ التي ارتكبها البوليس الفرنسي بقيادة السفاح موريس بابون ضد الجزائريين العزل المطالبين بالحرية والاستقلال.
وحتى إذا كان الضيف هولاند يواجه معارضة من خصومه في اليمين المتطرف فانه يتحمل مسؤولية كبرى بعد خمسين سنة في مصارحة أبناء جلدته وقول الحقيقة كل الحقيقة مما قد يسقط أقنعة مزيفي التاريخ ومروجي البهتان في بعض الأوساط ومن ثمة تحرير المستثمرين والمتعاملين والمؤسسات من عقدة التاريخ.
وبالطبع تبقى الجزائر تشق طريقها نحو المستقبل وفقا لوزنها الإقليمي والجهوي تحرص على خدمة التنمية لها ومع الشركاء المخلصين الذين يحق لهم السعي للربح لكن بالاستثمار والإنتاج وحماية حقوق الشريك. وربما قد يبدأ العد التنازلي لفرز وتطهير الساحة الاقتصادية من المتعاملين الذين يفضلون النشاط التجاري فقط ويحجمون عن الاستثمار المنتج الذي يبقى بمثابة التأشيرة الصريحة لدخول السوق الجزائرية المفتوحة اليوم على أكثر من خيار وفي كل القطاعات .

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024