يعتبر الحوار، مبدئيا، الطريق الصحيح والأقصر لحلّ مختلف الأزمات وتبديد كلّ الخلافات التي قد تهدّد استقرار الدول وتزجّ بها في دوامة التوتر وحتى الحروب والاقتتال.
بالتأكيد تعتبر البلدان التي تختار هذا النهج الحضاري الراقي محظوظة لأنّها ستجد حلا لمشاكلها وعلاجا لأسقامها بعيدا عن مخاطر وتهديد التدخلات الخارجية التي لا تؤدّي إلاّ إلى تأجيج الخلافات وتأليب أبناء الشعب الواحد بعضه على بعض وجعله وقودا لنزاعات داخلية لا متناهية.
تونس التي تواجه، منذ أشهر، أزمة سياسية صعبة تهدّد بنسف المكاسب التي حقّقتها ثورتها، أدركت أهمية الحوار لإعادة مسار الانتقال السياسي إلى سكته الصحيحة، وتجاوز كلّ الأخطاء وسدّ مختلف الثغرات التي بدأت تتجلى من خلال مواقف وسلوكات بعض السياسيين الذين بدل أن يكونوا قوّة دفع للبلاد، أصبحوا عنصر توتر وفُرقة وتهديد.
ومعلوم أنّ تجربة الحوارات ليست جديدة على تونس التي واجهت سنة 2013 أزمة سياسية وأمنية خطيرة، عقب عمليتي اغتيال سياسي وأعمال إرهابية، وقد تشكل على إثرها «رباعي» راعٍ لحوار وطني نجح في تطويق الأزمة، وهي تجربة كُللت سنة 2015 بجائزة نوبل للسلام، وكانت محط أنظار العالم.
الحوار دعا إليه الرئيس قيس سعيّد، الذي يقود منذ 25 جويلية من العام الماضي عملية تصحيح للنظام السياسي ويخوض حملة على الفساد الذي عصف باقتصاد البلاد، لكن يبدو أنّ الأحزاب والأطراف السياسية التي يصرّ الرئيس على «إبعادها» من عملية الحوار كونها جزء من المشكلة وفشلت على مدى عقد من الزمن في تحقيق تطلعات وطموحات الشعب التونسي، قرّرت التصعيد من خلال الدعوة للاحتجاج والتظاهر رفضا لما تقول «منهج الانفراد بالحكم، وتجميع السلطات، والقطع مع مكاسب الجمهورية والثورة وأولويات الشعب الاقتصادية والاجتماعية».
تونس، وخلال رهانها على خيار الحوار الذي يعد أداة أساسية للارتقاء بالممارسة الديمقراطية عبر تشخيص الخلافات وتحديد الإشكالية ومعالجتها، تكون قد اختارت أقصر وأسلم المسالك لتجاوز أزمتها، ونجاح هذا المسعى يحتاج إلى توافق الجميع، وإلى إعادة بناء الثقة التي تراجعت إلى حدّ كبير. يبقى على الذين استلّوا معاولهم لضرب الحوار حتى قبل أن يبدأ، أن يراجعوا حساباتهم، فالتحديات التي تواجهها تونس عميقة وخطيرة، وتستدعي تجاوز الخلافات والتباينات وتقديم التنازلات لأجل مصلحة البلاد والشعب، ومعلوم أنّ سدّ الباب أمام الحوار، سيشرع منافذ كثيرة أمام خيارات قاتلة يعلم الجميع مآلها.