لا شك في أنّ مساعي ترقية الاستثمار التي تجري الآن مشجّعة، ذلك أنّ التّوجّه نحو توحيد المسارات الإدارية وتفكيك المشكلات والعراقيل بالتنظيم والأدوات الرادعة هو عين الصّواب في ضوء أهمية الاستثمار في إنعاش الاقتصاد وتطوير النّشاط المحلي، وتعزيز قدرات الانتاج الوطني، لكن على الجانب الآخر وإذا تجسّد هذا المنظور عمليا، ينتظرنا الكثير لنعمله، لجعل الاستثمار آلة اقتصادية لا تتوقّف، وحركة مالية لا تهدأ.
تكمن عوامل جذب الاستثمار الأجنبي في عديد الجوانب، منها عدد السكان، حجم الاقتصاد، الموقع الاستراتيجي، المواد الأولية، سعر صرف العملة، النّظام المالي العصري والفعّال، إضافة لأهم جانبين؛ إدارة جادّة وميسّرة، ويد عاملة محترفة وماهرة. وهنا مربط الفرس فالصّناعات بحاجة ليد عاملة فنية جد مميّزة، ولتطوير قطاع الخدمات ينبغي توسيع حجم الاقتصاد وتعزيز مستويات النمو، ذلك أنّ المراجعة الشّاملة لأداء القطاعات ومواجهة التناقضات ومواقع الخلل فيها، ليعد أحد المحاور الرئيسة لفتح الأبواب المشرّعة للإستثمار، وهنا يأتي دور الإحصاء والبيانات في إدراك وضعية وأداء الإقتصاد، ولذلك فالجزائر مدعوة بشكل حثيث لإعطاء الأرقام والرقمنة الدور الأهم والأبرز في وعي قدرات ومواطن خلل الاقتصاد الوطني.
إنّ مناخ الإستثمار تتحكّم فيه عديد العوامل، منها النّظام الضّريبي الذي يستلزم مراجعة فاحصة وشجاعة، لتقييم نقاط الخلل ومواطن التناقص فيه ومعالجتها، ليشجع على الاستثمار الفعلي، ويساهم في القضاء على التهرب الضريبي جراء الضّرائب المتعدّدة، والقيود والتحديات التي تواجه المفلسين أو المتعثّرين، بحيث لا توجد أدوات رقمية أو متابعة دقيقة لمقايسة وتقييم الوضعيات الخاصة لبعض الحالات التي تعيش ظروفا إقتصادية إستثنائية، مثلما حدث في أزمة كوفيد-19.
إنّ تطوير اليد العاملة المؤهّلة الجادة المتقنة لمهارات النشاط الاقتصادي المتمكّنة من اللغة الإنجليزية أساسا تعتبر رهانا جوهريا آخر، إضافة إلى الاستثمار في القطاع الانتاجي المستدام المدر للثروة، والذي يوفر منتجات ذات قيمة مضافة تضمن إحلال الواردات والتصدير، لتكون قاعدة التحول الفعال نحو بناء اقتصاد بديل ومنتج متحرّر من العبثية والعراقيل.