ممّا لا يختلف عليه ويشكّل هاجسا حقيقيا، أن خارطة التموين بالطاقة غير واضحة المعالم على الأمد المتوسط على الأقل، مع إصرار دول الاتحاد الأوروبي، على مقاطعة الامدادات الروسية، قبل ضمانها البدائل الكفيلة لمنع حدوث أزمة، يرشح أن آثارها ستفوق التوقعات، سواء على صعيد النمو والحركية الاقتصادية، وكذا تزود الأسر الذي بات مكلفا ومرهقا للطبقة المتوسطة وأصحاب الدخل الضعيف.
أزمة طاقة جديدة بدأت تكشّر عن أنيابها، يرتقب أن تشتعل خلال 2022، دون شك فإن أوروبا في غنى عنها بسبب الأسعار الحالية المرتفعة والكلفة الإضافة التي سترفع سقف النفقات، بالإضافة إلى شح العرض والتموين، ويقابله تسجيل انخفاض في استثمارات الطاقة في العالم قبل جائحة كورونا، كما أن التحول الطاقوي الأخضر الذي تعوّل عليه القارة العجوز، للتخفيف من حاجتها ومواجهة اضطرابات الأسواق الخارجية خاصة في فصل الشتاء البارد، تكلفته باهظة، ولن يتحقق اليوم أو بعد غد أو خلال أربع سنوات المقبلة، وفوق ذلك غير كاف، في وقت من الصعب الحديث عن بداية الاستغناء عن الطاقة التقليدية، ويبقى التنويع فقط في الوقت الراهن مقنعا إلى حد ما.
ألمانيا بخلاف الدول الأوروبية الأخرى ستجد وضعها في مأزق، كونها القاطرة الاقتصادية لمنطقة الأورو، وتستهلك كميات معتبرة من الطاقة، فأكبر حصة منها تتدفق من روسيا، والتحول الذي تنشده وتراه قريبا، بالتأكيد ليس سهلا، لأن التخلي عن الطاقة الروسية سيكون مؤلما بالنسبة للدول الأوروبية التي تعتمد عليها بنسبة تفوق 40 بالمائة، بينما الدول المستهلكة في العالم ستتضرر من ناحية ارتفاع الأسعار، التي تحاول واشنطن التحرك من كل جهة عبر بسط هيمنتها ونفوذها لإرغام الدول المنتجة على تخفيض الأسعار، على الرغم من أن السوق تخضع لمعادلة العرض والطلب، ولا تقبل إملاءات نابعة من مصالح وامتيازات أطراف أخرى.
جزء كبير من سوق الطاقة يوجد في الوقت الراهن في يد المنتجين، الذين وحدهم يحددون حجم ما يطرح من عرض، لذا ستمر أوروبا بظرف عصيب لن تحسد عليه على الأقل خلال السنتين المقبلتين، وآثاره ستتجلى بوضوح على الأسعار.