من أعجب الظواهر التي لاحظناها في أيام العيد، حلويّات منوّعة الأشكال والألوان تكدّست بحاويات القمامة، لتثير بمناظرها التّقزّز في النفوس، وتطرح أسئلة كثيرة تخصّ أولئك الّذين يدّعون الحاجة والفاقة والحرمان، ثم يلقون بأغلى الحلويّات إلى القمامة..
ولقد ظل المشهد يتكرّر أمامنا منذ سنوات مضت، ولكنّه اتّخذ في هذا العام شكلا مبهرا، حتى إن من يمرّ أمام الحاويات تصيبه الدّهشة من كثرة ما يتراكم بها من حلويّات لذّة للآكلين، دون استثناء نوع منها، بل إنّ “الباقلاوة”، وهي الأغلى والأرقى والأفضل، لما يبذل في إعدادها من مواد باهظة الأثمان، وجدت مكانها بالحاويات، ولعلّها نافست كي تحظى بمساحة أوسع..
لقد عُرف الجزائري على مرّ الزمان بالكرم، وعُرف بأنه يستحي إن تسلّلت نكهة طعام إلى خارج منزله، فلا يهنأ إلا بعد أن يهدي جميع جيرانه من مأكله، بل إن المعروف عن الجزائريين جميعا أنّهم لا يطعمون طعاما إلا إذا شاركوه القريب والبعيد، فمن أين تسلّل الجفاء إلى القلوب، حتى قست، فلم تعد تجد الوازع ولا صفاء الضمير الذي يعصمها من إلقاء الطعام إلى القمامة؟!
ولا نشكّ مطلقا بأنّ الذي يتجرأ على إلقاء هدايا العيد إلى القمامة، يدرك جيّدا ما يفعل، بل إنّنا لا نشكّ في اعتقاده اعتقادا خالصا، بأنّه يقي نفسه أو أهله من أشياء في مخيّلته، أو ما تصوّره له أوهامه من اجتهاد المحيطين به في النّيل منه، لأنه يظن – ظنّا واثقا – أنّ العيون كلها عليه، وأنّه يمكن أن يتعرّض إلى مكر الحاسدين.. تماما مثلما لا نشكّ بأن ما وصفنا إنما هو أعراض أمراض نفسية خطيرة، تتفاقم إلى أن يشكّ المصاب في خاصة ثيابه.. ورحم الله الجزائري القائل: “الأجرب حكّاك، والخاين شكّاك”..