أعجبنا كثيرا منطق وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في ردّ الطروحات الغربية على الصراع الروسي الأوكراني، فقد وضع يده على جراحات عميقة، يصمت عليها ممثلو الحضارة المهيمنة، بينما يحاولون التّلبس بروح إنساني عجيب حين يتعلّق الأمر بما يمسّ مصالحهم الخاصة..
ولقد قدّم لافروف وصفة سهلة إلى جميع من يتملّكهم الأرق بسبب الصّراع الروسي الأوكراني، وقال إنّه يكفيهم أن يتخيّلوا بأنّ الصراع يتعلّق بإفريقيا أو الشّرق الأوسط، بل إنّهم يمكن أن يتخيّلوا أنّ أوكرانيا هي فلسطين، وأنّ روسيا هي أمريكا، كي يتخّلصوا من الأرق، وينالوا حظّهم من النوم الهادئ العميق، دون أن يحسّوا بأيّ حرج أمام معاني إنسانيتهم السّامية..
صراحة.. لقد بلغ ما يوصف بأنّه «الخطاب الإنساني»، مستوى من الإنحطاط غير مسبوق في التّاريخ، فـ»الإنسان» لم يعد سوى ذلك التابع الخانع الذي يرضى بتمرير المصالح الغربية حصرا، ولو على حساب قوته وقوت عياله، فإذا نطق بـ»أفّ» بسيطة تنديدا بالقمع الصهيوني لأبناء فلسطين العزّل، فإنّه يخرج تلقائيا من دائرة الإنسانية، ويتحوّل إلى عدوّ لمعنى الإنسان، بل إنّ منصّات التّواصل الاجتماعي، صارت تمنع – بإطلاق – أيّ تعاطف مع الفلسطينيين، ولقد شكّلت خوارزمياتها بطريقة توقع أقصى العقوبات على كلّ من يخطر بباله رفض الظلم الصهيوني، وقول كلمة حق على مساحاتها، رغم أنّ هذه المنصّات جميعا، تبشّر بالحريّة، وتتلبّس بلبوس احترام حقوق الإنسان.
حينما كان لـ»الإنسان» حضارة، استجدى واحد من أمراء قرطبة، مترا وبعض المتر، من أرضية كنيسة غير مستعملة، بقصد توسيع مسجد مجاور، وكان في استطاعته أن يؤمم الكنيسة كاملة دون استشارة، لأنّه صاحب حقّ على الأرض، ولكنّه لم يفعل انصياعا لواجب احترام حق الإنسان وحريّته، فمنحه الكهان الكنيسة كاملة شرط أن يبني كنيسة إلى جوار كل مسجد جديد، فوافق على مطلبهم، وسجّل في أسطر التاريخ عنوانا ناصعا لمعنى «الحضارة» ما زال يصيب كثيرا من المحدثين بـ»الأرق»..