في العشريتين الماضيتين شهد العالم حروبا دموية، راح ضحيتها مئات الآلاف وربما الملايين من البشر، وأغلب هذه الحروب اشتعل في منطقة الشرق الأوسط، المترامية على صفيح ساخن، وللأسف ما زالت هذه المنطقة الحسّاسة والاستراتيجية تمثل برميل وقود ينتظر شعلة نار ليحرق الأخضر واليابس، لكن اليوم لم تعد هذه المنطقة منفردة مسرحا محتملا للمزيد من الحروب والدمار وسفك الدماء، بل إنقلب الواقع بشكل جذري وصارت معظم القارات معرضة لأخطار الحروب التقليدية الشرسة التي لن تصمت على مايبدو بفعل تصاعد حدة التسلح واتساع الأطماع في السيطرة، واستنزاف المناطق ذات الجاذبية الاستراتجية من حيث الموقع والثروات والبعد الحضاري.
عندما تغيب قوة الدبلوماسية ويتراجع تأثيرها على النزاعات وبؤر التوتر يتم التعجيل بالمواجهة العسكرية الساخنة التي تفتك بالحياة وفي نهاية المطاف عندما تشفي غليلها وتحقق مخططها الخفي تستدعى هذه الدبلوماسية، تجر ذيول الخيبة من أجل وقف صوت القنابل ومنح الضوء الأخضر لإعادة الوضع كما كان قبل أن تشتعل نيران الموت، حملة تبرعات لإعادة الإعمار وحملات إنسانية لتضميد جراح من نكل بهم دون وجه حق والخاسر الأول والوحيد هي الشعوب المغلوبة على أمرها، في هذه الحالات تثار العديد من التساؤولات، إلى أي مدى يمكن لقوة الدبلوماسية في قلب الموازين ومنع نشوب الحروب، وقطع الطريق أمام مرتزقة الموت من تحويل جنة الاستقرار إلى جهنم الحرب؟.
الدبلوماسية وحدها قادرة على صنع السلام وتصفية الأجواء المشحونة بين طرفي النزاع، لكن شرط نزاهتها وأن تقف على مسافة واحدة من جميع أطراف النزاع المتخاصمة، وأن لا يكون وراءها من يغذي الخلافات ويروج للانتقام والتشدد بالأراء وذهنية عدم التنازل حتى وإن خسر كل شيء، أي لا تكون مدفوعة بمصالح أطراف أو أشخاص معيينين، وقتها يمكن القول بأن طريق الدبلوماسية سيكون نقطة ضوء يقود المتنازعين إلى نهاية هادئة لا تحذوها الأخطار، وبالتالي القطيعة مع نفق مظلم مجهول النهاية. للأسف أنّ دبلوماسية المصالح التي تروج للاستهلاك الاعلامي، ولذر الرماد في أعين الرأي العام، تتحرك وفق توقيت وأجندة أصحاب المصلحة أو من كانوا وراء بروز الصراعات، لا وزن لها ولا تخدم أحدا واستمرار حالها سيضر بالأمن والسلم العالميين أكثر مما يخدمهما.