تداول على القضية الصحراوية إلى غاية الآن 8 مبعوثين أمميين، آخرهم الإيطالي ستافان دي ميستورا، الذي عيّن بهذا المنصب في 6 أكتوبر الماضي خلفا للألماني هورست كوهلر المستقيل منذ ماي 2019 لدواع صحية.
وسعى كل هؤلاء المبعوثين إلى فكّ خيوط هذه القضية، ودفع مسار حلّها الذي تأخّر كثيرا، لكن للأسف كانت جهود التسوية تتعثّر قي كلّ مرّة بسبب العراقيل التي يصرّ الاحتلال المغربي على فرضها، ما يضطر المبعوث الأممي لرمي المنشفة والمغادرة ليحلّ مكانه مبعوث جديد ينتهي إلى نفس النهاية.
اليوم وبعد أن باشر دي ميستورا مهامه، يعود نفس السؤال الملحّ، هل سينجح المبعوث الأممي الجديد فيما أخفق فيه من تعاقبوا قبله على هذه القضية؟
في الواقع من السابق لأوانه التكهن بحظوظ دي ميستورا في النجاح من عدمه، فذلك أمر تتحكّم فيه كثير من العوامل، لكن من المهم الإشارة إلى أن المبعوث الأممي الجديد يظهر عزيمة كبيرة للاضطلاع بمأموريته على أكمل وجه قصد تحريك المياه الراكدة، ووضع قطار السلام على سكته الصحيحة، ويبدو من خلال كلمته خلال الجلسة التي خصّصها الأربعاء الماضي مجلس الأمن الدولي لبحث التطورات في الصحراء الغربية، أن دي ميستورا رسم خطّة عمله، وحدّد أولوياته، إذ أعلن أنّه سيبدأ قريباً جولة جديدة إلى المنطقة لإعادة إطلاق العملية السياسية، واستئناف المفاوضات المتوقفة منذ 1912 قصد إتمام تصفية الاستعمار من آخر مستعمرة في القارة الإفريقية.
وتعد هذه الزيارة المرتقبة ثاني زيارة له منذ تعيينه في منصبه، حيث زار شهر جانفي الماضي المنطقة، والتقى بطرفي النزاع المغرب وجبهة البوليساريو، بعدها زار كل من موريتانيا والجزائر، باعتبارهما دولتين ملاحظتين، كما يؤكد عليه مخطط التسوية الأممي.
لكن من الوهلة الأولى لا تبدو مهمة دي ميستورا سهلة بل على العكس تماما، فأوّل مداخلة له حول مهمته الجديدة تمّ تحريفها وتزييفها وتشويهها من طرف الإعلام المغربي، الذي زعم بأن المبعوث الأممي الجديد يشيد ويرحب بالتغيير الذي طرأ على موقف الحكومة الإسبانية بشأن القضية الصحراوية، في حين أن دي ميستورا قال بأنه أخذ علما بالتحول الاسباني وبتأييد حكومتها للخيار الأحادي الذي يصر المغرب على فرضه، مع أن مدريد تبدو بالفعل متناقضة مع نفسها بخصوص القضية الصحراوية، فهي من جهة تقول أنها ترى «الحكم الذاتي» حلا مناسبا، ومن جهة أخرى تقول أنها تدعم عملية الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية، للتوصل إلى حل مقبول للطرفين، بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن، لا سيما أحدثها رقم 2602».
بكلّ تأكيد، سيعترض دي ميستورا للكثير من العراقيل والتحديات في مهمته الجديدة تماما مثلما وقع لسابقيه، لأن المغرب سيفعل كل ما يتصوره العقل أو لا يتصوّره لمنع تحريك مسار التسوية في الصحراء الغربية، وسيلجأ الى أساليبه المعتادة لاستفزاز ممثلي الأمم المتحدة، وإفشال مهامهم قبل إرغامهم على المغادرة، لكن على الأمم المتحدة أن تكون هذه المرّة أكثر صرامة وعزما على تسوية القضية الصحراوية، وعلى فرض التزام المغرب دولة الاحتلال بقراراتها وعلى رأسها أن يكون الحل برضا طرفي النزاع وهما المغرب والبوليساريو، وليس بأوامر ورغبات طرف واحد هو الاحتلال، فهل سيحقّق دي ميستورا الاستثناء وينجح في مهمته الصّعبة؟