تراجعت سوق الكتاب ببلادنا تراجعا رهيبا، منذ بدأت مساحات بيع الكتب في الاختفاء من المشهد العام، تحت وطأة ضعف المقروئية، فتحوّلت كثير من المكتبات الكبيرة إلى نشاطات أخرى، ولم يبق أمام القراءة سوى عدد قليل جدّا من المحلاّت المختصة في توزيع الكتب، حتى إنّ العاصمة نفسها لم تسلم من الظاهرة، فاستسلمت مكتباتها، ولم يتبقّ منها سوى عدد قليل جدّا لا يمكن أن يعبّر عن حاجة حقيقية للكتاب.
ولقد كانت لنا تجربة زاهرة في تسويق الكتاب مع المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع (SNED)، وخليفتها الشركة الوطنية الجزائرية للكتاب (ENAL)، حيث كان القارئ يتمكّن من الحصول على الكتاب مباشرة بعد مطالعة تقديم له بالصحافة الوطنية، وذلك في أيّ منطقة من الوطن، بل إن الأعمال الجزائرية كانت تصل المكتبات الأوروبية، وتحظى بكثير من العناية والاهتمام، لكن عمليات تسويق الكتب انكفأت وتهاوت مع انطفاء التجربة الرائعة في أثناء العشرية السّوداء.
اليوم، لم يتبقّ أمام القارئ الجزائري سوى عدد محدود جدا من المكتبات، وصالون الجزائر الدولي للكتاب، والمعارض المحلية التي لا تحافظ على دوريتها في الغالب، إضافة إلى المكتبات العمومية التي تراجع أداؤها هي الأخرى، وإن كانت تقاوم من أجل القيام بوظيفتها السّامية.
ونعتقد أن الجزائري، الذي تمكّن من ترسيخ المقروئية رغما عن الاستعمار الذي منع التعليم وكرّس الأمية، قادر على إعادة بعث الحياة في أوصال المكتبات المهجورة، كي يستعيد للقراءة ألقها، وللمعرفة مكانتها، ونعلم أن هذا الأمر يحتاج إلى جهود جبارة، وكثير من الصبر، ولكننا ينبغي أن نعلم أن كلّ شيء يهون من أجل وضع كتاب بين يدي قارئ ساعة إصداره، ورقيا كان أم رقميّا، فذلك هو الإسهام الفاعل في الحركة التنموية الشاملة..