لن نضيف جديدا بقولنا إنّ لبنان بات يحمل ما تنأى الجبال عن حمله، ويواجه ضيقا شديدا بفعل حصار خارجي منع عنه كلّ أشكال المساعدة حتى أصبح على أبواب الإفلاس، وتحوّلت حياة شعبه إلى جحيم حقيقي. وبدون أدنى شك فهذا الحصار غير المعلن مقصده ليس اللبنانيين بحدّ ذاتهم، وإنّما حزب الله، لكن طبعا الذي يدفع الثمن هو المواطن اللبناني، الذي لم يعد يجد دواءه ولا غذاءه، وأصبح يستجدي المساعدة من الأصدقاء قبل الأشقاء لكنّها لا تأتيه.
مأزق حقيقي يعيشه اللبنانيّون، ووضع مأساوي يواجهونه لكن لا أحد يبالي بمتاعبهم ولا بحاجاتهم الإنسانية الملحة، فبينما يشاهدون كيف أن العالم أجمع تحرّك لنجدة ومساعدة الأوكرانيّين، يعاقبون هم على ذنب لم يقترفوه بعد أن وجدوا أنفسهم في قلب صراع إقليمي يتجاوزهم ولا يعنيهن بالمرة.
لقد بلغت الأزمة مداها، وتحوّل لبنان من تلك الدّولة التي تحبّ الحياة وتستمتع بها، إلى ما يشبه السجن الكبير حيث يتعرّض الجميع للعقاب الشديد الذي لم يعد يحتمل، وهو ضغط تبدو مقاصده واضحة لكنّها غير مبرّرة، إذ ليس من العدالة والإنصاف عقاب شعب بأكمله لأجل إضعاف أو إبعاد حزب يحمل السلاح من أجل المقاومة ومواجهة العدو، والذود عن الوطن.
إنّ التدهور في لبنان بلغ مداه، وبات على الدول الشقيقة المقتدرة أن تعيد مدّ جسورها معه لتساعده على تجاوز هذه المحنة، ويبدو أنّ الضوء بدأ يبزغ في نهاية النفق مع قرار كلّ من السعودية والكويت واليمن، عودة سفرائها إلى بيروت، في خطوة من شأنها أن تفتح صفحة جديدة وتعيد العلاقات إلى عهدها السابق، إذ ظلت هذه الدول تدعم لبنان وتقف إلى جانبه في وجه كلّ الأزمات والتحديات، وبدون شك، فهي ستمد يدها لانتشاله من وضعه الكارثي الذي قد يستغلّه البعض لفرض هيمنتهم ونفوذهم عليه.
كما أنّ الأمل بات قائما في لبنان لتجاوز معضلته المالية والاقتصادية، خاصة بعد أن وافق صندوق النقد الدولي على مده بقرض قيمته 3 مليارات دولار يصرف على مدى أربع سنوات.
وجع لبنان بالأساس ليس اقتصاديا بل سياسيا، ومعضلته تكمن في الطائفية والانقسامات والارتهان للخارج، والمخرج من الأزمة يمرّ، عبر توحيد الصفوف والنأي بالنفس عن القضايا المحيطة، والتركيز على العمل لخلق الثروة، وعدم انتظار المساعدة من أحد.