أُعجبْنا كثيرا بتفسير بعضهم ظاهرة الطوابير الطويلة المتراكمة، مستدلين بأنّها موجودة بدول العالم، فحسبهم «الطوابير» ليست عيبا، وأن مخاليق الله جميعا يقفون في الطوابير، بل منهم من ذهب إلى أن وقوف الجزائري في الطابور، إنما هو صورة راقية عن مستوى التحضر والرّقي»..
والحق أنّ العالم أجمع، والعالم الغربي المتطوّر، صاحب لواء الحضارة، يعرف الطوابير، ويقف فيها بمنتهى المحبة، بل ويصبر صبرا من أجل تحقيق غايته، ولقد بلغ طول الطابور - مثلا - بمدينة فرانكفورت الألمانية، أكثر من ثلاثة كليومترات، غير أن هذا الطابور، إنّما انتظم بقصد الحصول على توقيع لفيلسوف ألماني قال قولة نافعة، وكذلك الحال مع الطوابير التي يعرفها العالم، فهي كلها تنتظم لأجل حفل فنّي، أو لقاء مع شخصية رهيبة، وهذه حاجات يصبر الناس فيها بالطوابير، لأنها حاجاتهم الخاصة، وهي لا يمكن أن تتوفر بزراعة ولا بصناعة، ولا حتى بـ (الرّقية الشرعية)، ونعلم جميعا بأن الناس في بقية العالم يصبرون على الطوابير لأنهم ليسوا مضطرين إليها، خاصة وأنّ الانسان لا يتضرر حين يضيع عليه توقيع فلان أو حفل علاّن، ولكنّ قلبّه يتمزّق حين يرى أطفاله وهم يتوجهون إلى المدرسة صباحا، دون أن يحصلوا ولو على شيء يكاد يشبه الحليب..
أمّا الرّقي والتّحضر فلسنا نعرف أين هو، ويمكن أن نروي حكايات عما نعايش يوميا في طوابير (الحضارة) التي لا تسير دون أن تسيل بها الدّماء إلا إذا أشرف عليها رجال الأمن.. والله يتقبل منّا الحضارة..عفوا..الصيام..