هي مفارقة لطيفة تعوّدنا على الوقوع في أحابيلها مع حلول شهر رمضان المبارك، فنحن نعلم أنّه شهر الصوم الخالص لوجه الله، ومع ذلك لا نتمثّله إلا من خلال الموائد العامرة، والمأكولات المتنوّعة، ولقد أصبح من أدبياتنا الثابتة أنّنا لا نهتم بـ»الوجبة الكاملة» إلا خلال رمضان، بل إنّ الإشهار التلفزيوني نفسه لا يجد لمفهوم الصوم المجرّد، غير صور المأكولات كي يدلّ عليه، وهذا ما يحفّز (تجارنا الأشاوس) على استغلال الفرصة، فيتسابقون في مضامير رفع الأسعار، حتى إنّ الواحد من الصائمين قد يتصوّر بأنّ الصوم غير ممكن دون الخضوع لإرادة المزايدين، والوقوع في أحابيل المتسابقين.
والحق أنّنا درجنا على هذا السّلوك، فجعلناه من ثوابت معيشتنا، حتى إنّ يوم الصوم بطوله لم يعد يعني عندنا شيئا إن لم تحضر به الأكلة الفلانية، أو لم يزيّنه العصير العلاّني، ولا يخطر لنا على بال أنّ المقصد إنّما هو العبادة، واختبار الصبر، وترسيخ المبادئ الإنسانية في قلوبنا، لو أنّنا ننتبه إلى المقصد لتجاوزنا كثيرا من الصعوبات التي نصطنعها بأنفسنا، ثم نلقي عليها من توابل (الأعصاب) ما يتسبّب في كوارث أقلّها المناوشات في الأسواق، وأعلاها حوادث المرور التي تكون لها عواقبها الوخيمة، ولقد انتبهت مصالح المرور لهذا، فحاولت أن تنبّه السائقين، ووزعت مشكورة رسالة قصيرة مفادها: من أجل رمضان آمن، سوقوا بحذر..
ليس حسنا إذن أن نحوّل مناسبة عظيمة لتجديد حياتنا، إلى مساحة لـ»القلق» و»الغضب» و»التعصّب» وكثير من السلوكات التي لا تنسجم مع كرم رمضان وسموّه، ولا مع روح العبادة ومقاصدها، ولنمتنع عن أن نكون ممّن لا ينالون من رمضان سوى الجوع والعطش، والله نسأل أن يتقبل منا جميعا صالح الأعمال.