يتّسم الظّرف الرّاهن بمستجدّات عديدة من بينها مواجهة الدول المستهلكة للطاقة خاصة أوروبا خناقا شديدا، أسفر عن حالة من القلق والاستياء الشديدين، حيث أثرت الأسعار المرتفعة غير المتعوّد عليها على الاقتصاد والقوة الشرائية، وباتت هاجسا للمواطن قبل الحكومة، بالنظر إلى تضاعف الكلفة، وفوق ذلك مازالت الأسعار تسير في منحى تصاعدي ومرشحة خلال الأيام المقبلة بلوغ مستوى أعلى في حالة انقطاع الإمدادات الروسية، علما أنّ أكبر أثر للحرب يقف عليه الأوروبيون أكثر من غيرهم بل ويرونه عالقا في النفط والغاز والوقود بالدرجة الأولى، وبدرجة أقل تدفق اللاجئين نحو أراضي القارة العجوز.
تسير الحكومة الألمانية المرتبكة والمترددة في مسألة التخلي عن الطاقة الروسية، نحو تطبيق حزمة إجراءات لتخفيف العبء عن المواطنين، بينما يواجه الاتحاد الأوروبي منذ بريكست وانفصال بريطانيا المؤلم عن منطقة الأورو، أكبر التحديات الاقتصادية والجيو-سياسية للمنطقة، ربما لم يعهد تداعياتها السلبية منذ الحرب العالمية الثانية، وممّا يضع الأوروبيّين في ورطة إصرار موسكو على تغيير عملة الدفع لإمدادات الغاز إلى الروبل بدل الدولار والأورو، وحدّدت تاريخ التحول بنهاية شهر مارس الجاري، وهذا من شأنه أن يربك خصوم روسيا في ردها الصريح على العقوبات المفروضة عليها من طرف الدول الغربية، وبالتالي إجبارهم على التعامل مع البنك المركزي الروسي، حيث كانت ألمانيا التي تعتمد بشكل كبير على الواردات الطاقوية الروسية قد كشفت أنّها تحتاج على الأقل لسنتين من أجل التخلي عن الإمدادات الروسية واستبدالها بممولين جدد.
إنّها الحرب، تطال القريب والبعيد، لذا بات من الصّعب توقّع مؤشّرات الاقتصاد العالمي مع استمرار رحى الحرب كونها قد تقود قاطرة الاقتصاد إلى الركود لفترة غير قصيرة، لأنّ مسار النمو ما زال مثقلا بضربة الوباء الموجعة ومحاصر بشح الإمدادات النفطية في العالم، ومن المبكّر الحديث عن تجاوز للأزمة التي تتقاسمها الدول بما فيها تحديات التضخم والتهاب أسعار المواد الأولية وتكلفة الحرب.