في الحروب، هناك دائما رابحون وخاسرون، وهناك أيضا من يقتنصون الفرص لتحقيق مكاسب معيّنة، ومن بين هؤلاء، الصهاينة الذين يستغلون الحرب الروسية الأوكرانية لاستقبال أكبر عدد من اليهود الأوكرانيين «الفارين» من القتال، ليس كلاجئين سيعودون لاحقا إلى بلدانهم، بل كمستوطنين جدد يمنحون الجنسية الإسرائيلية ويوزّعون على المستوطنات المقامة بصفة غير شرعية على الأرض الفلسطينية المحتلة.
الفلسطينيّون يدركون جيّدا هذا الخطر الداهم، الذي يعيد إلى الذاكرة ما حصل قبل ثلاثة عقود، عندما استغلت إسرائيل كما تفعل اليوم تفكّك الاتحاد السوفييتي لتستقطب نحو مليون يهودي، منحوا تلقائيا الجنسية ووفّرت لهم أفضل المساكن والوظائف على حساب أصحاب الأرض، الذين يشردون ويقتلعون من بيوتهم أمام أنظار العالم الذي يكيل القضايا و الازمات بمكيالين وثلاثة وأكثر.
إسرائيل ومنذ تأسيسها وإقرارها «لقانون العودة» سنة 1952، الذي يوصي بحق يهود العالم في الهجرة إلى إسرائيل والاستقرار بها، استقبلت ملايين اليهود لكنها مازالت تفتح أبوابها وأحضانها لاستقبال المزيد في محاولة لتعديل الميزان الديموغرافي لصالحها، وهي منذ شهر من الحرب استقبلت آلاف اليهود الأوكرانيين، حيث أعدّت «الوكالة اليهودية»، بالتعاون مع وزارات إسرائيلية عدة، خطة لاستقبال 5 آلاف يهودي أوكراني أسبوعياً، بإشراف «وزارة الهجرة والاستيعاب».
ويبدو أنّ إسرائيل ماضية إلى تقفي أثر أي يهودي أوكراني لتغرسه في الأراضي الفلسطينية، وقد قالها وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، «سنصل إلى كل يهودي في أوكرانيا، وننقذه، ونضمن هجرته واستيعابه هنا في البلاد»، مشيراً إلى أن إسرائيل «ستقوم بمثل ما فعلته في تسعينيات القرن الماضي عندما استوعبت نحو مليون يهودي من روسيا».
وعند وصول هؤلاء المهجّرين إلى إسرائيل، يوزعون على أماكن إقامة مؤقتة قبل منحهم مساكن دائمة بالمستوطنات التي سيتم منطقيا توسيعها لاستيعاب المقيمين الجدد في خرق جديد لحقوق الفلسطينيين، على اعتبار أن «الاستيطان يعد انتهاكاً جسيماً لاتفاقية جنيف الرابعة، وجريمة حرب، بحسب ميثاق روما»، ولا يمكن «استغلال الأزمة الإنسانية في أوكرانيا لارتكاب جريمة حرب إضافية بحق الشعب الفلسطيني».
تماما كما فعلت مع يهود الاتحاد السوفييتي سنة 1990، تستغل إسرائيل اليوم الأزمة الأوكرانية لصالحها، وسوف لن تترك يهوديا أوكرانيا يفلت من «قبضتها»،لاستغلال وتوظيف الإمكانيات العلمية المرتفعة للأوكرانيين، لهذا تصرّ على جلبهم والاستفادة منهم، وهي في خطوتها هذه تلقى كلّ الدّعم الغربي الذي يؤيّد إسرائيل في كلّ المسائل، ويساعدها بشتى الطرق على تحقيق أهدافها الاستيطانية الإستعمارية.