ماذا لعب بعقل المسؤولين الإسبان على أعلى مستوى، بعد التحوّل المثير لمدريد من قضية الصحراء الغربية، آخر مستعمرة في إفريقيا، معلنة الارتماء في حضن الاحتلال المغربي بتبني مشروع الاحتلال، والتنكّر للشرعية الدولية وكل ما تتضمنه مواثيق الأمم المتحدة بشأن حق الشعوب في ممارسة تقرير المصير غير القابل للتصرف.
انحراف غير مسبوق من بلد يتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية بشأن ملف يعرف خباياه، كون اسبانيا هي القوة المديرة السابقة للصحراء الغربية وتورطت ضمن صفقة مدريد الثلاثية بدعم المغرب في مشروع احتلاله للإقليم منتصف السبعينات، بالرغم من قرار محكمة العدل الدولية التي أكدت أن الصحراء الغربية لا تمت بصلة لدولة الاحتلال.
الرأي العام الاسباني والدولي المتعلّق بالحرية والحقوق والشرعية يعرف أن انحراف حكومته أمر مثير للتساؤل، إذ لا يوجد مبرر ما عدا إن كانت هناك صفقة مماثلة لصفقة تسليم الصحراء للمغرب بموجب اتفاقية العار في زمن الفساد الدبلوماسي وبيع المواقف المبدئية في سوق الخيانة.
أكثر من السلطات الاسبانية الحالية تفضل الانخراط في لعبة الابتزاز إلى درجة تنكرت إلى القانون الدولي الذي تقيدها أحكامه الواضحة، فلا يمكنها التنصل من التزاماتها خاصة وأنها تعلم يقينا أن الشعب الصحراوي وحده من يملك حق وصلاحية تحديد وجهته المستقبلية، وقد عبر عنها بوضوح بأنه حريص على ممارسة حق تقرير المصير، تحت حماية منظمة الأمم المتحدة.
هل باع رئيس الحكومة الاسبانية بيدرو سانشيز كل ذلك الرصيد من المواقف الرافضة للاحتلال وبأي ثمن، وهو على علم أكثر من غيره أن الجمهورية العربية الصحراوية عضو مؤسس للاتحاد الإفريقي ودخلت عبر جبهة البوليساريو في مفاوضات مع دولة الاحتلال المملة المغربية، باعتبارهما طرفي النزاع والقضية مدرجة في جدول أعمال لجنة تصفية الاستعمار الأممية.
كما يعلم وغيره أن اللعب على المناورات ومحاولة الضغط لا يجدي نفعا، بدليل أن الرأي العام الاسباني نفسه يستنكر موقف حكومته في وقت ينتظر فيه الإسبان أنفسهم انتهاج مسار جريء ونهائي تجاه قضية تشكل للشعب الاسباني وصمة عار في زمن الحريات وحقوق الإنسان، التي لا يمكن تجزئتها أو المتاجرة بها.