لم يخطر لنا على بال أنّ فكرة «بكالوريا فنون» يمكن أن تحدث جدلا بين مرحّب ورافض، فهي لا تعدو كونها امتحانا عاديا، يتخيّره الطلبة الذين يتوسّمون من أنفسهم القدرة على الخوض في معامعه، دون أن يفسدوا لـ»الرافضين» قضية، فالمسألة برمّتها «بكالوريا» تفتح الآفاق على عوالم لم يسبق أن حظيت باهتمام عندنا، وبقيت رهينة «الموهبة» المحض، أو حبيسة الاجتهادات التي تخطئ وتصيب.
ويعلّل مناوئو بكالوريا الفنون رفضهم، بالمستوى العام المتدهور، ويرون أنّ «الأمم تطوّرت بالفيزياء والكيمياء والرياضيات، وليس بالرّقص» (على أساس أنّ الفنّ هو الرقص حصرا)، وهؤلاء لا ينتبهون إلى أنّ «خاصة عقليتهم» التي يعتقدون أنّها الحقيقة، إنّما هي «صناعة فنيّة خالصة»، فهم لا يحسّون مطلقا بأنّ تلك الصناعة هي التي تملي عليهم طريقة مأكلهم وملبسهم، وتلهمهم عبارات تفاعلهم وتعاملهم، وتتحكم في أسلوب عيشهم، فهم لا يحسّون بأنّهم ضحايا معلومة هنا، وصورة محبوكة هناك، وأنشودة أو أغنية هنالك، ويعيشون في غاية السعادة معتقدين بأنّهم يختارون لأنفسهم مواقفهم الأكثر صرامة.
إنّ التهميش الذي فرضناه على الفنّ، هو الذي اصطنع هذه الأفكار العجيبة، وربط الفنون بـ»المجون»، فلم تنفع جهود كثير من الموهوبين الذين بذلوا ما في وسعهم كي يحتفظوا للجزائري بجزائريته؛ لهذا، نعتقد أنّ بكالوريا الفنون جاءت كي تعيد الأمور إلى نصابها، وتفتح المشهد الفنّي على آفاق الدراسات الأكاديمية، كي يكون هذا المشهد على بيّنة من أمره، فيعرف وظيفته، ويتحمّل مسؤوليته، ويؤدي رسالته، ويتخلّص نهائيا ممّا يتلصّق به من لغو القول، وفارغ الكلام، وكثير من الجهالات التي أثقلت كاهل المغبونين في الأرض.
نعتقد أنّ الحلول تبدأ مع تواتر أطروحات الدكتوراه، وما نراه اليوم من فتوح بكلية الفنون، يحدث عن مستقبل يكتب بأنامل جزائرية.. وهذا ما نرجوه، لأنّه وحده يكفل لنا الخلاص من فنون اللّغو..