كل أنظار العالم عالقة تتابع بقلق ما يجري على ساحة الحرب الروسية الأوكرانية، تترقب أن تتكلل الجهود الدبلوماسية بخطوات تحقق الانفراج الذي يسكت صوت الأسلحة ويبعد الخيارات العسكرية عن الواجهة، على خلفية أن جميع دول العالم من دون استثناء تأثرت وبشدة من تداعيات الحرب، بعد الهزة العنيفة التي ضربت أسواق الغذاء والطاقة، ولا يخفى أن أداة العقوبات التي تحركها واشنطن والدول الغربية ضد روسيا وصار يطلق عليها “كماشة العقوبات”، لن تؤتي أكلها بالنظر إلى التجارب السابقة مثل العقوبات التي فرضت على إيران وكوريا الشمالية، لذا الحوار وحده من يعيد تهدئة الصراع المتأجج.
الحرب ستنتهي طالت أم قصرت، وفي نهاية المطاف الحلول الدبلوماسية ستكون الفيصل في إذابة جليد الخلافات ومنع التصادم، لكن وفي خضم كل ذلك المشهد في العالم سيتغير عما كان عليه في السابق، بل كل شيء سيتغير بشكل جذري على الأقل على المديين المتوسط والطويل، بداية من ترقب تغير بنية النظام العالمي الأحادي القطبية، الذي يرى كثيرون أنه يعيش مرحلة تحول انتقالية، لأنه بات يلوّح في الأفق من خلال العديد من المؤشرات، تغير تدريجي وبطيء في بنية النظام الدولي الجديد، سيفضي في المرحلة المقبلة إلى صعود ونزول قوى في العالم، وبالتالي العالم مقبل على ترتيبات جديدة على ضوئها ستتم إعادة بناء العلاقات الدولية، وفق المصالح المشتركة للدول.
خارطة العالم الجيوسياسية لن تبقى على حالها، لأن رحى الحرب الروسية الأوكرانية بعد أن تحط أوزارها ستفتح المجال نحو تشكيل عدة خرائط وليس خارطة واحدة، حيث سيتم من خلالها إعادة بسط التحالفات الدولية على أرض الواقع، غير أنه على ما يبدو مازال من المبكر تحديد ملامحها بما فيها بروز على الصعيد الإقليمي تحالفات شبيهة بحلف الشمال الأطلسي، والجميع بات يتوقع ظهور دور جديد للقوة الصينية بوزن ثقيل ضمن المجموعة الدولية..فهل ستكون الحرب الروسية الأوكرانية سببا رئيسيا في حدوث توازن للقوى في العالم، وبالتالي إرساء نظام عالمي أكثر عدالة وإنصافا خاصة بالنسبة إلى الدول الضعيفة؟.. جميع الاستشرافات والتحاليل تؤيد هذا الطرح، بل وتذهب إلى أبعد من ذلك عندما ترشح دولا أخرى للعب دور دولي مؤثر في العالم.