بينما ينشغل العالم بأطوار الحرب الأوكرانية وتداعياتها الإنسانية والاقتصادية الكارثية، تواجه ليبيا نذر الانقسام من جديد، حيث بات في البلاد التي تعيش على وقع أزمة سياسية وأمنية عميقة، حكومتان، بعد تشكيل وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا حكومة جديدة أصبحت موازية لتشكيلة عبد الحميد الدبيبة الذي يتمسّك بمنصبه ويرفض تسليم مهامه إلا لحكومة منتخبة.
فتحي باشاغا أدى يوم الخميس الماضي اليمين القانونية أمام مجلس النواب المنعقد في طبرق، وبالرغم من تشكيك كثيرين في شرعية عملية التنصيب على اعتبار أنّها تمّت في غياب عدد من الوزراء والنواب، إلا أن هذه الحكومة الجديدة أصبحت واقعا، لكن هذا الواقع يطرح مخاوف كبيرة من أن يحصل المحظور وتسقط ليبيا في دوامة العنف من جديد، كما يطرح تساؤلات كثيرة عن قدرة باشاغا على تسلّم السلطة والدبيبة متمسّك بها، وأيضا عن تمكّنه من ممارسة مهامه في العاصمة طرابلس، أم أن حكومته ستستقر بطبرق مثلما كانت عليه حكومة الثني في السنوات الماضية؟
الإجابة عن هذه التساؤلات ليست في المتناول اليوم، لكن ما نسجّله أنّ ليبيا في مأزق حقيقي وخطر الاصطدام قادم لا محالة إذا لم تتدخّل الأمم المتحدة أو جهات محايدة لتجاوز الانسداد السياسي الحاصل، وإيجاد تسوية بين رئيسي الحكومتين المتنافستين تفضي بالخصوص للعودة إلى المسار الانتخابي، وبناء مؤسسات تحظى بالشرعية الشعبية.
إنّ المخاوف من انزلاق ليبيا مجدّدا في منحدر العنف والفوضى لها ما يبرّرها، مع تصريحات تؤكّد منع باشاغا من تسلم مهامه بالقوة، وأخذ البعض يتحدث عن حشود عسكرية في طرابلس لهذا الغرض، أي للحيلولة دون دخول حكومة جديدة لتزاحم حكومة الدبيبة التي وعدت بتنظيم انتخابات في جوان المقبل.
ليبيا التي كنّا نعتقد بأنّها اقتربت من توديع أزمتها، عادت إلى الوراء لتواجه نفس التحديات والمخاطر، لكن هل هذا الوضع هو قدر محتوم لا يمكن تغييره؟ لا أعتقد، بل على العكس تماما، إذ بإمكان الليبيين وقف سياسة جلد الذات،والعمل يدا واحدة من أجل استئناف المسار الانتخابي وإعادة بناء مؤسسات الدولة من بوابة إقرار المصالحة.