استعادت الحرب الروسية الأوكرانية نظرية “نهاية التاريخ” من جديد، واستخرجت فرانسيس فوكوياما من الأرشيف، كي تسائل الواقع عمّا يمكن أن يعدّ للبشرية من صدمات قد لا تستوعبها في وقتها، وبدأت الأسئلة تتهاطل بشكل عجيب، واستدعت هيغل وماركس وكوجيف بقصد التّوصل إلى رؤية واضحة عما تخبئ الأيام المقبلة لهذا العالم البائس الذي نسي الجائحة تحت وقع الصواريخ الروسية..
ولعلنا نذكر جميعا أن فوكوياما كان قد استلهم من هيغل فكرة نهاية التّاريخ بمجرد تحقق الإجماع العالمي على الديمقراطية؛ لأن ذلك الإجماع سيمثل حتما نقطة النهاية للصراعات الأيديولوجية؛ وعلى هذا، قدّر – قبل ثلاثين عاما – أن سيرورة التاريخ ستصل إلى ختام المسك، مع الإجماع على “الديمقراطية الليبرالية” التي بدأت في التّشكل حين وضعت الحرب الباردة أوزارها.
هذا النقاش الذي وصفنا آنفا، يحتدم بقوّة على وسائل الإعلام الغربية عموما، وهو لا يجد أي وسيلة كي يتسلّل إلى حاضنتنا المغبونة، لأن “وسائل إعلام” عندنا، منشغلة بأسئلة حيوية، ورؤى أكثر حصافة، بل إنّ الزّوايا التي تختارها لمعالجة الواقع تضرب بكل نظريات “نهاية التاريخ وبدايته” عرض الحائط، لأن المسألة عندنا تكاد تكون شبيهة بالمنافسة بين (البارصا والرّيال)؛ ولهذا تنقسم الساحة بين المشجعين الذي يبذلون جهودهم كي يبرهنوا على سلامة رؤاهم، وقدراتهم الفذّة في التّحليل، وقد يتجلّى”النبوغ” هنا وهناك، فتقع على من يطرح مسألة اللاّجئين، معتقدا أنّ هؤلاء سيحتاجون إلى كرم عنايته!!.
ولسنا نقارن بين حاضنتنا المباركة والحاضنة الغربية، بقصد التنبيه إلى الفوارق، فهذه– بحمد الله - تاريخية ومذهلة ومشهودة، وإنّما نرغب في الإشارة إلى أن النّظريات العلميّة لا تحسب لنا حسابا أبدا، مع أنّنا نحسّ بوجودنا، ونعتقد مخلصين أن العالم يحتاجنا.. لكنّ المؤسف حقا، أن الناس لا يرون نفس الأحلام..