نسي العالم فجأة أمر الجائحة والمتحوّرات والإغلاقات والّلقاحات، وتوجّه ببصره وقلبه وعقله تجاه الأزمة التي تفجّرت بين روسيا وأوكرانيا وتحوّلت إلى حرب مسلّحة، بدأت تصنع وضعا إنسانيا مأساويا، وهي هكذا الحروب، لها دائما ثمن باهظ يدفعه المدنيّون الذين يجدون أنفسهم بين ليلة وضحاها ودون إرادتهم في قلب نزاعات مسلّحة ما كانت لتندلع لو أنّ أطرافا صادقة النّوايا تدخّلت في الوقت المناسب لإطفاء عود الثّقاب قبل أن يلهبها نيرانا ويشعلها معاركا.
ما كاد العالم يستعيد أنفاسه بعد عامين أمضاهما تحت رحمة وباء سرق أرواح الملايين وعصف باقتصاديات الدول، وما أن بدأت الدول تتخلّص من قيود الإغلاق، حتى عاد الوضع العالمي لينتكس بسبب الحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا، لتتزاحم عبر شاشات العالم مشاهد تحطّم القلوب وتكسّر الأفئدة لمعارك وقصف ودمار وأمواج النازحين واللاّجئين الهائمين على وجوههم، الأمر الذي يستدعي وقف سياسة التّأجيج والتحشيد والاستفزاز التي تمارسها الدول الغربية، والدّفع باتّجاه وقف القتال وحلّ الخلافات عبر الحوار الذي انطلق فعليا، وهو خطوة مهمّة تعكس حقيقة أنّ روسيا لا ترغب في إطالة أمد عمليتها العسكرية في أوكرانيا، بل كلّ ما تريده هو الضّمانات الأمنية التي طالبت بها في الفترة الماضية، ولم تتلق جوابا عليها، في مقدّمتها بقاء الناتو بعيدا عن حدودها.
الحروب لا تحل المشاكل، وإنّما تصنع المآسي، لهذا يجب التمسّك بالطّرق الدبلوماسية وبقنوات الاتصال والحوار لحل الأزمة بين الجارتين أوكرانيا وروسيا، مع مراعاة الوصول إلى اتّفاق يضمن أمن الدولتين ويحافظ على علاقتهما، وقبل ذلك وبعده يضمن إبعاد ما تراه هذه الدولة أو الأخرى تهديدا لأمنها القومي.
يبقى فقط التأكيد بأنّ نجاح الحوار بين روسيا وأوكرانيا مرهون بتوقف الدول الغربية عن صبّ الزيت على النار، لهذا على كييف أن تدرك بأنّ ما تذرفه هذه الدول هي دموع تماسيح، فهي لا يهمّها من هذه الحرب إلاّ جعلها مبرّرا لخنق روسيا اقتصاديا.