أتيح لنا فيما عالجنا من مصاعب الحياة، أن نتعرّف على طبيب كلاسيكي لم يكن يستعمل سمّاعة مما نتعارف عليه اليوم، وإنّما يستعمل «قمعا» بنيّ اللّون مما كان دارج الاستعمال في القرن الخامس عشر، أو قبل ذلك، والعجيب أن الطبيب إياه، كان يتمكّن من تشخيص المرض بدقّة، فلا يكتفي بوصف الدّواء، وإنّما يتجاوز ذلك إلى وصف عدد الحبّات التي ينبغي أن يتناولها المصاب، فلا يحتاج إلى شراء علبة كاملة من ثلاثين حبة، إن كان يحتاج إلى عشر حبّات فقط..
وتطوّرت الأمور، ولم نعد نرى في الأطباء من يستعمل القمع البنيّ، بل أصبح نادرا أن نجد بين الأطباء من يقيس الضّغط بطريقة يدوية؛ ذلك أن التكنولوجيا زحفت على جميع الأدوات، وصار التّشخيص خاضعا لعدد من الآلات المستحدثة، بل صار يستعين بدقّة أرقام التحاليل، والتصوير الإشعاعي والكشف النّووي، وتقنيات أخرى كثيرة، هي نتيجة للتطوّر العلمي الرهيب الذي تشهده البشرية منذ حوالي ثلاثين عاما، غير أن هذا «التّطور» ألقى وراء ظهره «الطمأنينة» التي كان المريض يلمسها مع الطبيب الكلاسيكي، تماما مثلما ضيّع تلك العلاقة القوية التي تربط المريض بالطبيب، فالمريض - عندنا بطبيعة الحال ـ لم يعد يدخل العيادة إلا وهو متأكّد بأنّه سيتلقى «أمرا بالتّحليل»، وهذا أمر مكلّف للغاية، وتصبح كلفته مضاعفة، حين لا تأتي الأرقام بشيء جديد، ما يعني أن الاحتمالات ينبغي أن تواصل لعبتها مع تحاليل جديدة..
كانت نكتة لطيفة أطلقها واحد من معارفي حين شكّكوه في الإصابة بـ»كورونا»، فسارع إلى إجراء التّحليل، وأُسقط في يده حين وجد أن التّحاليل صافية، فراح يلقي باللّوم على «الشّك» قائلا: (راهي اتغيضك لما اتكون ما عندكش، وانت مخلّص عليها).. وهذه هي المفارقة في أحلى تجلياتها..