يمر العالم بتحولات ضخمة في قضايا الأمن، الدفاع، السياسة والاقتصاد، ولاشك أنّ الجزائر بشكل أو بآخر معنية بمآلات هاته التحولات وتأثيراتها على توازناتها الإقليمية وقضاياها الحيوية، وهو بلا شك أمر إستراتيجي سيكون له ما بعده.
إنّ عالم ما بعد كورونا أفضى إلى ظهور تحولات إقتصادية كبرى في قدرات الدول وإمكانياتها، فمع تصاعد أرقام الصين واقتصادها الذي يشهد نموا جدّ إيجابي في أصعب الظروف الصحية والاقتصادية، تتراجع الولايات المتحدة الأمريكية وتتضخم بإزاء هذا الوضع أبعاد الصراع التي تنامت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بما اصطلح عليه بالحرب التجارية، ثم ظهرت حديثا من جديد بأبعاد «جيوعسكرية» تحالفات وتكتلات قديمة بأهداف جديدة مثل كواد وأوكوس لتقويض النفوذ الصيني في المحيط الهادي والهندي، وإحياء تحالفات أنجلوسكسونية وآسيوية بحثا عن ترميم الهيمنة الغربية من جديد في عهد يبشر بما بعد القطبية الأحادية والناتو.
الأبرز في كل هذا هو بروز المخططات الغربية لاسترجاع الوهج الاستراتيجي في جيبولتيكا القارة السمراء والدفع قدما نحو ضمان دور فاعل في المجال الجيواستراتيجي والثروات الحيوية، خاصة وأنّ إفريقيا تحوز على 40 بالمائة من ثروات الأرض وفق بعض التقديرات، وهو ما حفز على ظهور مخطط أوروبي أطلق عليه اسم «البوصلة الإستراتيجية»، يتضمن الوقوف أمام التنين الصيني بعديد المناطق، ومن بينها إفريقيا بعد أن أضحت بكين الشريك الأول للأفارقة للعام 12 على التوالي.
تعد الجزائر إحدى أهم الدول الإفريقية وأبرزها، وهي دولة تملك زخما إستراتيجيا في بناء علاقاتها بشكل عقلاني ومتوازن يراعي مبدأ التحوط الواقعي، لكن في هذا الصدد، نحن بحاجة كبرى للاستفادة من هاته التحولات من خلال تنويع الثقل وتقويته خاصة مع الحلفاء التقليديين للجزائر المعروفين بصدق مواقفهم إزاء مصالحنا المشتركة، وفي هذا السياق، أجدني أرى أنّ تعميق العلاقات الاقتصادية مع مختلف دول العالم لا يحتاج للكثير من الفلسفة، مادامت تحالفاتنا الإستراتيجية وقيمنا الوطنية المربوطة بأصالة بيان نوفمبر وثيقة وشديدة الثبات، مع الحياد الإيجابي والدور البنّاء الذي تقوم به الدبلوماسية الوطنية الواقعية لبناء عالم أفضل.