كما تردّد منذ أسابيع، نفّذ الرّئيس الروسي فلاديمير بوتين وعيده وتدخّل عسكريا في أوكرانيا، في عملية ينعتها الغرب بالغزو، وتعتبرها موسكو اجتياحا حتميا للدّفاع عن «الاستقلاليّين» في شرق هذه الدولة التي كانت ذات يوم تسبح في فلك الاتحاد السوفياتي قبل أن تفجّره في بداية تسعينات القرن الماضي معاول «الغلاسنوست» و»البروسترايكا»، وتعصف به الحرب الباردة، لتتيه جمهورياته في مهب رياح الغرب و»الناتو» تحديدا، الذي عمل على استقطاب بلدان الكتلة الشيوعية الواحدة تلوى الأخرى حتى أصبحت روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي على مرمى حجر منه.
كان بوتين واضحا منذ البداية، ووضع أمام أوكرانيا ومن ورائها الغرب خيارين لا ثالث لهما، إما الالتزام باتفاقية «مينسك» المفروض أن تمنح مقاطعتي «دونيتسك «و»لوغانسك» الأوكرانيتين حكما ذاتيا موسعا، والأخذ في الحسبان مخاوف روسيا الأمنية بشأن تمدّد الناتو ونشر صواريخ هجومية بالقرب من حدودها، وإمّا سيعترف باستقلال المدينتين، وسيتدخّل عسكريا في أوكرانيا لتصحيح مسار السياسة التي ينتهجها رئيسها «فولوديمير زيلينسكي»، الذي يبدو بأنّه قلّل من تهديدات روسيا وبالغ بثقته في الغرب ليجد نفسه في النهاية وحيدا كما قال في مواجهة عسكرية غير متكافئة، الانتصار فيها غير متاح بالمرة.
المواجهة بين الغرب وروسيا التي تجري وقائعها على الأرض الأوكرانية، هي أكثر من مجرّد اجتياح عسكري تخوضه روسيا لمنع سقوط حديقتها الشرقية في قبضة الحلف الأطلسي، فالمواجهة ذات أبعاد وأهداف كثيرة، سياسية وأمنية. بوتين قالها صراحة «بالنسبة لأولئك الذين يقولون إن الناتو يحق له دعوة أي دولة للانضمام، فإنّ سياسة «الباب المفتوح» مشروطة بمبدأ ثان، وافقت عليه دول الناتو: وهو أنّ تعزيز أمن دولة ما لا ينبغي أن يكون على حساب أمن دول أخرى مثل روسيا».
لهذا اعتبر الرّئيس الروسي وقف زحف الناتو مسألة حياة أو موت، وأطلق مغامرته العسكرية المفتوحة على كل الاحتمالات في أوكرانيا، التي يبدو بأنها ستدفع ثمنا باهظا لصراع يتجاوزها في حقيقة الأمر، فهو صراع تخوضه روسيا ضدّ أمريكا وأوروبا لوقف زحف الناتو بما يمثّله من نشر للقواعد العسكرية والأسلحة الفتّاكة، ومن هنا يمكن تفسير سلوك بوتين.
أبواب جهنّم باتت مشرّعة على منطقة مكدّسة بالسّلاح والقواعد العسكرية والخلافات والأحقاد، والحروب مهما كانت دوافعها وأسبابها لم تكن يوما حلا بل تزيد من الضّغائن، وتكلّف الكثير من الخسائر والمآسي، لهذا تبرز أهمية ضبط النفس وإسكات صوت السّلاح، وحل الخلافات بالحوار.