قدّرت دراسة علمية منشورة بالعدد الثلاثين من حوليات جامعة الجزائر، أنّ بين ثمانين وتسعين بالمائة من حوادث المرور، تتعلّق أساسا بـ «العامل البشريّ»، وذهبت إلى أنّ معظم الكوارث سببها «التّكوين المتواضع الذي يتلقّاه متعلّمو السّياقة بالمدارس المتخصّصة»، ولقد فصّلت الدّراسة في «خطايا السّائقين»، وجعلت «الإفراط في السّرعة» على رأس الأسباب المؤدّية إلى الحوادث الكارثية، إضافة إلى أسباب أخرى لا تخرج عن «الجهل» بأسباب السّلامة التي يوفّرها قانون المرور.
ولعلنا لا نبالغ في شيء إذا قدّرنا أنّ ضحايا حوادث المرور ببلادنا، أكثر من ضحايا «كوفيد»، وأنّ تكلفة «الجهل» بالقانون، أو عدم احترامه، أعلى بكثير من تكلفة العناية بالمصابين بالفيروس، ولهذا نتساءل إن لم يكن «الحجر» أولى بأولئك الذين يفرضون قانونهم على الطرقات، فقد تضاءلت أرقام حوادث المرور، بل صارت منعدمة في أيام الحجر، حتى حسبناها من (حسنات الكوفيد)..
وما دامت الدّراسة العلمية قد ركّزت على العامل البشري، ووضعت سطرا تحت «طبيعة التّكوين»، فالواجب يقتضي أن نعود إلى «مدارس السّياقة» كي نسائلها عن «السّرعة المفرطة» و»التّوقف العشوائي»، ونحاول أن نتذكّر معها شيئا يسمى «ممرّ الرّاجلين» و»المسافة الأمنية» و»احترام الأولوية» و»إشارات المرور» و»المناورات الخطيرة»، إذ يبدو أنّ تعليمات القانون كلّها لا تحظى بأيّة عناية، وأنّ الطموح يتوقّف عند حدود «دفع المستحقّات» و»الفوز بالشّهادة»..
ولا ينبغي التّوقف عند «المدارس»، فهذه خاضعة لمديريات ينبغي أن تخضع هي الأخرى للمساءلة، فمن غير المعقول أن نحقّق أرقاما قياسية في الحوادث، ونسكت عليها على أساس أنّها ممّا يدخل في باب «القضاء والقدر»، فالأصل أن نحرص على التكوين الجيّد أوّلا، ثم نبحث عن «شمّاعات» توائم ما فاتنا، ولا شكّ أن كل من يسوق بالجزائر اليوم، يعاني أشدّ العناء كي ينجو من بلايا فائزين بشهادة سياقة، بمجرّد حصولهم على شهادة ميلاد.