تحمّل الصّيادلة كثيرا من العناء في مجابهة الجائحة، وكانوا في الصفّ الأول مع الأطبّاء والممرّضين، وأعوان الحماية المدنية، وآخرين كثيرين ممّن واجهوا «الفيروس» بشجاعة، وبذلوا ما في وسعهم كي يكونوا في عون المصابين، ويخففّوا آلامهم بما يتوفّر لهم، أو ما يقدرون عليه.
وقد يكون دور الصّيدلي، في مواجهة الكوفيد، غامضا بعض الشّيء؛ ذلك أنّ نشاطه يبدو تجاريا خالصا، مع أنّه لا يستقبل في محلّ تجارته سوى المصابين أو أوليائهم ممّن هم مصابون محتملون، خلافا لباقي التّجار الذين يتمتّعون ببعض الرّاحة في الموضوع، ويكتفون باتخاذ تدابير السّلامة، ثم إنّ الصّيدلي ينصح ويوضّح ويشرح، وهو في «تجارته»، لا يختلف عن الأطباء الخواص ولا عن المشتغلين بالتّحاليل، ومع هذا يغمط في حقّه، ولا يتلقّى اعترافا بفضل، ولا تنويها بمجهود، ولا حتى «كليمة» تقدير، بل على عكس ذلك، يبقى بين «ثوابت» قائمة «المتّهمين» مهما بذل من جهد، إذ لا ينقص دواء في السّوق، حتى ترى الأصابع كلها تتوجّه إليه..
هذا نموذج صغير من حياتنا العامّة التي اختارت الهوس بـ «الاتّهام»، عوضا عن فضيلة «الاعتراف»، فصارت يومياتنا مختنقة بالهواجس والشّكوك والرّيبة، ولم نعد نرى حولنا غير الغشّاش والسّارق والمختلس والمتربّص و»العقلية الخردة» و(الباركينغور)، مع أنّ هؤلاء جميعا بأوبئتهم، لا يمثّلون المجتمع كاملا، وإنما هم فيه شواذّ يعرفهم النّاس بسيماهم، ومع هذا، تمكّنوا من (الحظوة) بمكانة مركزية في حياتنا، واستولوا على تفكيرنا، وثبّتوا الإحساس بانهيار اجتماعي كامل لا يمكن التّعامل معه، مع أن الواقع غير هذا، والصّالحون ما يزالون ثابتين يحاولون أن يقدّموا الأفضل..
لا نعيش انهيارا اجتماعيا إذن، وإنما هي «فضيلة الاعتراف» التي تضاءلت أمام واقع تعوّد على سماع أخبار المعتوهين حتى ظنّ أنهم المركز، ونسي أنّ الذي لا يشكر النّاس، يستحيل أن يشكر الله