تعوّدنا على ربط أسباب الغلاء الفاحش الذي يهيمن على السوق، بواقع الأسعار العالمية وتقلّباتها، وارتفاع أسعار المواد الأوليّة والتهابها، وأشياء أخرى لا نملك التّحكم فيها، فهي تتنزّل على سوقنا بمنتهى «الواقعية» وقتما تشاء، وتفعل فعلها في الأسعار دون أن تترك لنا أدنى وسيلة للتصرّف معها، عدا مضغ الصّبر، وانتظار الفرج، والجميل أنّنا (نتذرع) دائما بـ»الأوضاع» في بقية العالم من أجل تبرير وضعنا، وهذا طبيعي جدّا بالنسبة لـ»اقتصاد مجازيّ» يتعامل مع بقية العالم بمنطق (الشّحيحة)، وليس بمنطق «الإنتاج»..
وإذا كان تقبّل غلاء الأسعار، بحكم ارتفاعها عندهم، فإنّه ينبغي إيجاد وسيلة أخرى لتبرير ارتفاعها عندنا، حين تنخفض عندهم. فالواقع يقول، إنّ سوقنا المباركة لا تخضع إلا لمعيار «الارتفاع»، ولا تضع في حسبانها أبدا منطق «الانخفاض»، وهذا يعني أنّنا لا نتّبع بقيّة العالم إلاّ حين يضطرّ إلى رفع الأسعار، أمّا حين يخفّضها، فهذا أمر لا يعنينا، لأنّنا تعوّدنا على «الرّفع» حتى صار حالة مستدامة لا فكاك منها..
أمّا ثالثة الأثافي، فهي في طبيعة «ارتفاع الأسعار» في ذاته؛ ذلك أن «بقيّة العالم» ترفع سعر «الطنّ» (الكامل) من مادة معيّنة بالدّولار والدّولارين، فيرتفع سعر «الكيلو» (المغبون) عندنا بالأضعاف المضاعفة، لتتوالى الارتفاعات بالتواتر، وتضرب فكرة «التناسب» عرض الحائط، ولهذا نجد «القهواجي»– على سبيل المثال –يرفع سعر فنجان واحد بعشرة دنانير، لأنه اضطرّ إلى دفع ثلاثين دينارا زائدة في الكيلو الواحد الذي ينتج ثمانين قهوة على الأقل، ما يعني أن الثلاثين دينارا، تتحوّل - بالمرور عبر العصارة - إلى ثمانمائة دينار، وهذا طبيعي جدّا، لأن صديقنا «القهواجي» خاضع، هو الآخر، لمتتالية من انتهاكات فكرة «التّناسب» لا تمكّنه من تحصيل قوت يومه إن لم ينسجم معها..