بعد التهجير والتطاول على المقدسات، يتمادى الاحتلال الصهيوني في اغتيال الشباب من أبناء الشعب الفلسطيني، مستفيدا من انقسام الصف الواحد وكأنه دخل في سباق مع الزمن لتنفيذ مشاريعه الإرهابية قبل أن تلتئم الفصائل حول مشروع موحد للتحرير على أساس حدود 1967، كما أكدته مبادرة السلام العربية، التي بقدر ما قدمت من تنازلات بقدر ما أدار المحتل ظهره، مفضلا الاستمرار في التعنّت والمواجهة.
أخر فصل الإجرام الصهيوني، اغتيال عساكره 3 فلسطينيين بدم بارد داخل أراضي الضفة الغربية، ما يضع السلطة الفلسطينية أمام خيار حاسم بين مواصلة التنسيق الأمني بكلفته الباهظة أو العودة إلى ما قبل اتفاق أوسلو الذي وضع القضية الفلسطينية بين قوسين. وزاد الأمر تعقيدا تراجع الدور الدولي، خاصة اللجنة الرباعية التي تأسست في 2002 بمدريد وتتشكل من أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
غير أن الرهان على العامل الدولي لوحده لا يكفي لضمان الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف، كما هي مدرجة في قرارات ولوائح الأمم المتحدة، وإنما يقع على الفرقاء الفلسطينيين العودة إلى القواسم المشتركة، عنوانها البارز الحق في إقامة الدولة الفلسطينية وقد تم الإعلان عنها من الجزائر وعاصمتها القدس الشرقية، مسألة لا تقبل القسمة أو المقايضة، مهما كانت الدوافع أو الضغوطات.
لكن بين هذا الهدف العابر للأجيال والواقع المؤلم، هناك جوانب تتطلب الضبط والمراجعة بإقامة معالم صارمة تمنع على الاحتلال مواصلة مخططاته، بما في ذلك الاستيطان الذي يلتهم أراضي الفلسطينيين وتجبره على الامتثال للحقوق المشروعة بانتهاج كل ما تخوله القوانين والشرائع في مكافحة الاحتلال، فلا يعقل البقاء في موقف المتفرج بينما يقوم العدو باغتيال الأبرياء وتصفية الرموز ومن ثمة إلى متى يبقى يصول ويجول على أرض لا يتأخر شعبها في تقديم ضريبة الحرية.
لذلك، فإن موعد اللقاء والمصالحة والوحدة الفلسطينية، الذي دعت إليه الجزائر، على لسان الرئيس تبون، أصبح أكثر من ضرورة لتصويب البوصلة.