يبدو خبر الإنذارات التي وجّهها مفتّشو وزارة الصّناعة الصّيدلانية إلى محتكري الأدوية المستخدمة في مكافحة «الكوفيد»، عاديا جدّا، فالأعوان المراقبون قاموا بواجبهم، ومسحوا أفواه المحتكرين بـ «عقوبات» قانونية، وانتهى الأمر، فهذا ما يحدث - عادة - مع من يحتكر على النّاس سلعهم وأسباب معيشتهم.
ولم نكن لنتعرّض للموضوع مطلقا، لو أنّ الأمر يتوقّف عند العشرين محتكرا، ولكن الحال عندنا تقول إنّ الوضع يحتاج إلى أكثر من عقوبة قانونية تسلّط على هذا وذاك، فـ «الاحتكار» عندنا شهد تحوّلا مرعبا، حتى إنّه صار من ثوابت السّلوك اليومي، وهو يمتدّ إلى جميع القطاعات تقريبا، ويفسح المجال لكلّ الموبقات كي تتوسّع أكثر، إلى درجة أنّ الواحد من المواطنين صار موقنا بأنّه حين يخرج صباحا من داره، إنّما يسلّم نفسه إلى (شطّار) الغابة الكبيرة التي توصف مجازا بأنّها «مدينة»..
لقد بلغ «الاحتكار» مبلغا من التّجذر يفرض التعامل معه بأسلوب أكثر عمقا، من أجل استئصاله، وتخليص المواطنين منه؛ فـ «العقوبات المالية» لم تترك دليلا على وهنها وميوعتها، إلا قدّمته، ولقد سبق أن عوقب المحتكرون، بداية من محتكري المواد الغذائية إلى غاية محتكري الأوكسيجين، غير أنّ «العقوبات» لم تنفع في النيل من «الفكرة المتأصّلة»، لأن التعامل مع «الأفكار» ينبغي أن يكون مختلفا عن التعامل مع «الأحداث»، و»الاحتكار» ليس حدثا معزولا يتسلل - دون قصد - إلى حياتنا، ولكنّه متأصّل فيها، متربّع على عرش الأولويات، وقد يتواصى المحتكرون بـ «الصّبر» على أداء رسالته، المواصلة على نهجه.
إنّ الواقع المعيش يقول كلّ يوم، بل يصرخ من كلّ زاوية، أنّ الخبائث الأخلاقية تتوسّع تلقائيا دون أن تجد من يقاومها أو يرفضها، وهذه آفة أخرى أشدّ من مصيبة الاحتكار..