كما كان منتظرا لم تطو صفحة بريكست بخطوة الانفصال، على اعتبار أنّه مازالت تطفو على سطح العلاقات، التداعيات العديدة التي قد تحمل المزيد من المفاجآت غير السارة لبلدان القارة العجوز، بما فيهم بريطانيا التي مازالت تتجرع مرارة الانفصال القاسي، على غرار النقص الفادح في السائقين الذي فجر أزمة حقيقية في التزود بالوقود، ومع ذلك بريطانيا تسير بثقة تاركة مختلف الإشكاليات ونقاط الخلاف العالقة مع شركاء الأمس للوقت الذي قد يحمل لها المزيد من الحلول لتصل إلى صفر تداعيات ومشاكل ناجمة عن الانفصال التاريخي عن المنطقة الأوروبية الموحدة.
صحيح أنّ المتشائمين يعتقدون أنّه طال الزمن أم قصر، فإنّ الاتحاد الأوروبي لن ينجو من خطر التفكك ولن تكون بريطانيا الأولى والأخيرة في المغادرة، بل هناك بلدان أخرى ستحذو حذوها، لكن ومع ذلك مازالت ألمانيا القاطرة الاقتصادية للإتحاد الأوروبي وأقوى دولة تبعث على الثقة وتدفع للحفاظ على التماسك، وبالتالي تأمين الشراكة الاقتصادية، لكنّ ما حدث مع بولونيا التي أقرّت قانونا يتعارض مع قوانين الاتحاد الأوروبي وتمّت قراءته من طرف المتخوّفين على أنّه نية مسبقة لمغادرة البيت الأوروبي، ويضاف إلى كل ذلك ما يطلق عليه بأزمة «الوصول إلى مصايد الأسماك» المشتعل بين بريطانيا وفرنسا وبروز فتيل التوتر الذي أخذ منحى صراع مرير بين دولتين كبيرتين في أوروبا لم يسبق له مثيل، وما دفع الوزير الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمون بون في إحدى تصريحاته القول بامتعاض إنّ الحكومة البريطانية لا تفهم إلا «لغة القوّة.»
صراع مصايد الأسماك كشف عن أثر «بريكست» قصير المدى وصعد من وتيرة التوتر، على خلفية حادثة احتجاز فرنسي لباخرة صيد بريطانية رفقة قبطانها، وما وصفته لندن بخطة استفزازية غير مقبولة وقبل ذلك حدوث ما وصف بالاستياء الفرنسي من حرمان قواربها ظلما من الحصول على تصريح بالصيد في المياه البريطانية وتهديدها باتخاذ إجراءات انتقامية، مثل وقف تدفق التجارة عبر القنال الإنجليزي ورفع أسعار الطاقة لفائدة جزر القنال البريطانية، إذا لم يتم منح القوارب الفرنسية المزيد من التصاريح.
تسوية النزاع ممكن ووارد لكن ضمان عدم انفلات المزيد من التداعيات الشائكة وانفجار أزمات جديدة بسبب «بريكست» غير مضمون إذا اصطدمت المصالح.