في دردشة بين زبغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي سابقا، والمنظّر الاستراتيجي البروفيسور جون مير شيمر، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شكاكو، حول الصّعود الصّيني، حيث أراد برنجنسكي أن يقنع مير شيمر بأنّ صعود بيجين هو صعود ناعم مبني على النّمو الاقتصادي لا أكثر، في حين ردّ عليه الاستراتيجي مير شايمر، أنّه من المستحيل أن يستمر الصّعود الصّيني سلميا، لأنّ هذه المصالح الإقتصادية الصّينية في الخارج ستحتاج لا محالة في يوم ما إلى قوّة عسكرية تحميها، محاولة الاستلال بتلك البوارج العسكرية الصينية العسكرية التي تحمي ناقلات النّفط الصينية في المحيط الهندي وخليج عدن.
يبدو أنّ أبا الواقعية الهجومية في الفكر الاستراتيجي الأمريكي جون مير شيمر، منزعج كغيره من صنّاع القرار الأمريكيّين من الصعود القوي للعملاق الصيني، الذي برز كأحد الأقطاب الاقتصادية العالمية المنافسة للاقتصاد الأمريكي، حيث وصل الناتج المحلي الاجمالي الخام لبيجين 14.3 تريليون دولار، في المرتبة الثانية عالميا وراء الناتج المحلي الاجمالي للولايات المتحدة الأمريكية، الذي بلغ 21.4 تريليون دولار سنة 2019، وهذا حسب البنك الدولي.
لكن ما يؤرق المنظّرين الأمريكيّين، اليوم، أمثال جون مير شيمر، وكذا صنّاع القرار في بلاد العم سام، ليس هذا النمو الاقتصادي المتسارع فحسب، بل كذلك الصعود المتسارع في المجال العسكري لبكين، فبحسب تقرير حديث لمجلة «Global Times» الصينية، فقد رفعت بكين ميزانيتها الدفاعية لعام 2021 بنسبة 6.8 % لتصل إلى 1.35 تريليون يوان (أي ما يعادل 209 مليار دولار أمريكي)، وعلى الرغم من أنّ الإنفاق العسكري لبيجين، في الواقع، هو منخفض بالنظر إلى مكانة الصين باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومقارنة مع ميزانية الدفاع الأمريكية التي قدّرت بـ 740 مليار دولار أمريكي للسنة المالية 2021، إلاّ أنّ هذا بات يزعج كثيرا حتى المنظرين الأمريكيّين!
المتتبّع اليوم لمعظم محاضرات وندوات كبار المنظرين والاستراتيجيين في الولايات المتحدة، وعلى رأسهم جون مير شايمر، يفهم جيّدا مدى الإزعاج والقلق الذي بات يسبّبه الصّعود القوي لبيجين في جميع المجالات، وعلى كافة المستويات.