لا يختلف اثنان في أن انتصار الشعب الفلسطيني ضد عدوان الكيان الصهيوني يعد انتصارا تاريخيا، وإن كانت حصيلة الخسائر البشرية والمادية مكلفة وباهظة، لكن ذلك يعني مرّة أخرى أن قوافل الشهداء شكلت عنوانا بارزا في المشهد الدولي لوحدة الصف الفلسطيني، ويؤكد الفلسطينيون للعالم أنهم لا يأبهون للآلة الصهيونية المتطوّرة والتكنولوجيا العالية لأسلحتها المدعومة من قوى غربية كبرى واجهت شعار المقاومة «نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت».
أحد الدروس المهمة لانتصار المعركة، أنها جاءت لتأكيد العلاقة الوطيدة لفلسطين مع القدس، ومن خلالها تمكّن المقاومين بما يشبه المعجزة، من إعادة التلاحم بين مكوّنات الشعب الفلسطيني، بمن فيها فلسطينيو نكبة 1948، الذين هبوا هبة رجل واحد لنصرة أهل الشيخ جرّاح، وواجهوا اقتحام الأقصى الشريف، والعدوان على غزة، وعاد التناغم على أشدّه بين فلسطينيي القطاع والضفة الغربية، بحيث صار الجسم الفلسطيني يتداعى بالسهر والنضال كلما أصاب جزء منه أذى، وكأنه بنيان مرصوص.
كان شديد الدلالة، في هذا الشأن أنه صباح إعلان الهدنة بين جيش الاحتلال وقطاع غزة كان الفلسطينيون في الأقصى يتصدون بدورهم لاعتداءات جنود الاحتلال ومستوطنيها الذين بدأوا فهم حقيقة الأمر الواقع، وفي حين بدأت غزة باستكشاف آثار العدوان عليها ودفن الشهداء وعلاج الجرحى والبحث عن المفقودين وإخراج من بقوا تحت الأنقاض، كانت القدس والضفة مستمرة بالنضال والاشتباك مع قوات الاحتلال الصهيوني، وبذلك، يثبت الفلسطينيون بالضبط ما يسعون إليه، فتهلّل القدس والضفة بالتكبيرات لخروج غزة من تحت القصف الهمجي وهي مشتبكة بقوة مع قوات الاحتلال.
ولعلّ المغزى الأعظم لقيامة القدس الأخيرة، إنها الهبة غير المسبوقة للشعب الفلسطيني بقطاعاته كافة، موحدا متراصا، وعلى نحو ما بدا من تكامل محسوس في جولة الكفاح الفلسطيني الراهنة، ما بين صمود القدس وصواريخ غزة التي هزت كيان الاحتلال، ورفعت معنويات الأمة وشموخ المجاهدين، وكسّرت جموح المطبعين والخائنين.