تاريخ ثورة التحرير مهما تعرض لمحاولات طمس ومناورات من لوبيات متطرفة مصابة بعقدة جرائم الاحتلال الفرنسي، ينفجر في وجه دعاة التزييف ومروّجي روايات تُنسج في مخابر تتلاعب بوقائع وشهادات.
اعتراف الرئيس الفرنسي ماكرون بتعرّض الشهيد المحامي علي بومنجل للتعذيب ثم الاغتيال على يد جلاديه، يقودهم المجرم أوساريس، مؤشر يندرج في اتجاه يمكن التأسيس له للعمل على ملف الذاكرة، مفتاح إعادة تصحيح المعادلة، أمر يتطلب جرأة في التعامل مع الماضي.
تقرير ستورا، الذي بقي على حافة الموضوع، مسألة فرنسية بحتة، لذلك الأمر بالمفهوم الصحيح لاحترام الذاكرة يتجاوز مجرد سرد لأحداث أو انتقاء تواريخ، بقدر ما يستوجب الانطلاق من حقيقة أن الاحتلال الفرنسي بحد ذاته جريمة لا تسقط بالتقادم ومن ثمة كل ما أنجر عنه يقع على عاتق مؤرخي الاحتلال، ليس بالبحث عن ذرائع وتبريرات وإنما بقول الحقيقة التي لا تزال بعض آثارها الى اليوم.
يكفي في هذا الإطار الإشارة إلى التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية كعمل إجرامي ضد الإنسانية، أدلته قائمة على الأرض وتنقلها الطبيعة إلى حد الضفة الأخرى للمتوسط، دليلا ماديا يتجاوز رغبة مؤرخين ومهندسي تزوير التاريخ. في فرنسا نفسها وبفعل عواصف رملية سجلت مؤشرات إشعاعات نووية تدين الاحتلال الفرنسي.
إلى متى يبقى وَهْمُ القفز على الحقيقة ومحاولة تجاهل أدلة دامغة، يستفيد من ذلك سفاحون أمثال أوساريس، بيجار، ماسو وغيرهم ممن هزمهم الشعب الجزائري إبان ثورة التحرير، بفضل جيل نوفمبر وتضحيات الشرفاء مثل بومنجل، ليصنفهم وأتباعهم، بما فيهم مدافعون عن ممارسات الاحتلال، في مزبلة التاريخ.
تاريخنا الوطني مفخرة الأجيال يكتب عندنا ويجب ذلك بأقلام جزائرية صادقة لتحصين الأجيال في مواجهة بقايا الفكر الاستعماري في بلد الحريات، حيث النوايا، مهما كانت «صادقة»، لا يمكنها أن تغوص في الذاكرة بتجرد وموضوعية، لأن الحرس القديم للإيديولوجيا الاستعمارية، متخفين وراء شعارات مفلسة، لا يزالون يقاومون المسار الصحيح للذاكرة.