منطقة الأورو لا تواجه آثار كورونا وحدها، بل تعيش منذ أشهر تحت وطأة التوجّس من هاجس التعثر وانتهاء الشراكة مع بريطانيا من دون اتفاق يحفظ حقوق الجميع، خاصة ما تعلق بملف جوهري وحساس ينظم حصص الصيد لكل طرف، ويضاف إليها عودة العلاقات التجارية بعد انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي للارتكاز على قواعد منظمة التجارة العالمية.
الإخفاق في المفاوضات التي تجمع بين لندن وبروكسل، مدرج كأحد الاحتمالات غير المرغوب فيها بسبب صعوبة الحسم، ويبدو للوهلة الأولى أنه سيتسبب في بطء الاقتصاد البريطاني وارتفاع تسعيرة السلع والزيادة في تكلفة إنتاجها وتأخر وصول شاحنات الغذاء على الحدود، من بينها تلك القادمة من بريطانيا بسبب عودة صرامة الإجراءات الجمركية وتضرر الصادرات من الأسماك البريطانية، الذي أرعب الصيادين والتجار، وحتى بالنسبة للتعاون في الأمن وتبادل البيانات سيختلف ويصبح أكثر صعوبة مثل تبادل بصمات الأصابع والسجلات الجنائية وتبادل الأشخاص المطلوبين، إذا كل شيء سيتغير والانفصال سواء تحقق بالاتفاق أو من دونه يثبت حقيقة أن نسبة البريطانيين الذين كانوا ضد الخروج أكثر واقعية بل ومدركين جيدا لآثار هذا التفكك عن أكبر تكتل اقتصادي في العالم.
لا يخفى أن انفصال لندن عن بروكسل سيكون، منذ بداية سريانه نعمة على بلدان أخرى في ظل سير شركات الخدمات الجمركية البريطانية نحو الإقبال على العمالة الأجنبية الرخيصة من رومانيا والهند بفعل نقص الخبرة البريطانية في هذا المجال، لأن رومانيا لديها خبرات واسعة في القواعد الجمركية، بينما النقمة أو الضرر سيمس جميع الشركاء من دون استثناء.
أيام قليلة ويوّدع العالم سنة صعبة على الدول الغنية كما الفقيرة، في وقت يتواصل فيه التفاوض لمرحلة ما بعد بريكست، ومما لا شك فيه أن طيّ الملف بالطريقة المطلوبة، يحتاج إلى وقت أطول ليتسنى حلحلة الخلافات المعقدة، في وقت هناك من يرى استحالة التوّصل إلى اتفاق قبل العام المقبل، لكن الحقيقة التي يدركها الجميع أنه بالاتفاق أومن دونه كل شيء سيتغير ويحتاج شركاء، الأمس، إلى وقت ليس بالقصير، لتجاوز ما تمت خسارته بفعل الانفصال العسير والقاسي حيث سينتفي حق العيش والعمل في فضاء منطقة الأورو بالنسبة للبريطانيين وستتضمن التجارة بين الجانبين قرارات جمركية مقيّدة، وقد لا تكون بريطانيا الدولة الأولى والأخيرة التي تغادر.