لم يتوان الجزائريون في متابعة الجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها غلاة الإستعمار في هذا البلد منذ أن وطأت أقدامه هذه الأرض الطيبة وهذا من خلال السعي الحثيث لدى الجهات القضائية المختصة المخول لها إحالة مثل هذه الملفات على مصالحها.
وفي هذا السياق لابد من التأكيد هنا.. بأن ما أقدم عليه السفاح موريس بابون من قتل للجزائريين وإلقاء بهم في نهر السين وإعتقالهم في مخافر للشرطة وقاعات رياضية يصنف في خانة إرتكاب جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم ويعاقب عليها القانون.
الأوساط السياسية والحقوقية الجزائرية حركت هذا الملف وفق توجه سليم وصحيح، يستند إلى موثق أشرفت عليه جمعية ٨ ماي ١٩٤٥ التي نقلته إلى الدوائر القضائية الفرنسية لكن التماطل الذي أبدته ومحاولتها تغطية هذا الجانب، دفع بالمعنيين إلى تغيير الوجهة وهذا بإخطار المؤسسات العدلية الأوروبية التي كذلك من جهتها بعثت بإشارات إلى الجزائريين بأنها ستدرس ما وصلها من طلب.. إلا أنها مع مرور الوقت سقطت في مطبات الطرح الفرنسي الذي مارس ضغوطا من أجل إلقاء الملف في الأدراج وهذا للأسف ما حصل.
أين نحن اليوم من تفاعلات هذا الملف؟ لابد من القول بأن الجرائم ضد الإنسانية التي تعرض لها الجزائريون راسخة في أذهانهم ومهما كانت المناورات والتلاعبات على مستوى المحاكم الفرنسية والأوروبية فإنها لا تستطيع محو آثار هذه المجازر من ذاكرتهم لأنها كانت أليمة وموجعة كلفتهم حياتهم.
وضمن هذا التوجه كان المجاهد يوسف حداد واضحا.. عندما نفى نفيا قاطعا أن تكون هناك متابعة جدية من قبل القضاء الفرنسي تجاه ملف الجرائم التي طالت الجزائريين في باريس، لأن السفاح موريس بابون كان يحظى بتغطية سياسية من قبل وزير داخليته آنذاك الذي منحه كل السلطات الواسعة من أجل محور آثار الجزائريين من باريس، باستعمال كل الوسائل الجهنمية لقتل المتظاهرين والتنكيل بهم.
وحسب المجاهد حداد فإن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل أن مجيء ديغول إلى السلطة في سنة ١٩٥٨، زادت حدة القمع والبطش ضد الجزائريين، وهي الفترة التي لا يمكن للجزائريين نسيانها أبدا.. خاصة مع محاولاته اليائسة لإخماد لهيب الثورة.. باللجوء إلى ما يعرف بالعمليات العسكرية الواسعة النطاق التي تطبق سياسة الأرض المحروقة، والإبادة الجماعية وكذلك إقامة المحتشدات التي تمنع على الجزائريين مغادرة أماكنهم دون رخصة.
هذا التذكير الوارد على لسان المجاهد حداد ما هو إلا تأكيد على أن وجه الإستعمار قبيح، سواء أكان في الجزائر أو في باريس ونعني بذلك ما كان يقوم به من ملاحقات يومية ضد المناضلين الجزائريين لإسكات أصواتهم.. عبر كامل فرنسا عندما فرض حظر التجوال من الساعة الثامنة مساء إلى غاية الخامسة صباحا لكسر شوكة كفاحهم ومنع وضرب الإستعمار في عقر داره.
هي سلسلة من الجرائم ضد الإنسانية إعتمادها السياسيون الفرنسيون ونفذها العسكريون ما تزال تشهد على فضاعة الإستعمار في الجزائر، ولايعقل أن تبقى بلا عقاب، وهذا في الوقت الذي يقيم البعض الدنيا ولا يقعدونها على ما يحدث اليوم في بعض بؤر توتر في العالم فلماذا يتردد هؤلاء عندما يتعلق بحقوق الجزائريين التاريخية؟ أو يزعمون في قرارة أنفسهم بأنه لا حدث، لا يقبل الجزائريون بمثل هذه الرؤية غير السوية الرافضة لـ «تبييض» وجه الإستعمار البشع.
جريمة بــلا عقاب
جمال أوكيلي
15
أكتوير
2012
شوهد:1341 مرة