الساحل على فوهة بركان

فضيلة دفوس
12 أكتوير 2012

اليوم يتأكد جليا بأن الذين أطلقوا التحذيرات بشأن تداعيات إسقاط نظام القائد الليبي معمر القذافي بالقوة على المنطقة، كانوا على صواب، فكل توقعاتهم أشارت إلى أن العديد من البلدان المجاورة ستشهد عودة الآلاف من أبنائها الذين أدمجهم القذافي بين صفوف كتائبه، وستكون هذه العودة مصحوبة بمشكلات لها أول وليس لها آخر، بدءا بصعوبة إستيعاب هؤلاء العائدين غير المرغوب فيهم وانتهاءً باستحالة السيطرة عليهم، خاصة وهم مدججون بأحدث وأثقل أنواع الأسلحة ومتحالفون مع التنظيمات المسلحة القوية وجماعات الجريمة المنظمة والأقليات الإنفصالية وفعلا لم تمض شهور على مقتل القذافي وانهيار نظامه حتى بدأت التداعيات المأساوية تتجسد على أرض مالي ناسفة وحدة هذه الدولة التي ظلمها التاريخ وجارت عليها الجغرافيا، مزلزلة إستقرار المنطقة التي أصبحت تعيش على فوهة بركان قابل للإنفجار في أي لحظة .
لقد كان من حظ مالي التعيس أن إستقطبت معظم المجموعات العائدة من ليبيا والتي قدرتها بعض المصادر بحوالي ٧ آلاف مقاتل جاءوا بأفضل المعدات التسليحية بما فيها مضادات الطائرات، واستطاع العائدون في ظل ضعف القدرات العسكرية لمالي أن يبسطوا هيمنتهم على المنطقة وبالموازاة إستغل الإنفصاليون التوارق التأييد والمساندة التي حضوا بها من قبل المجموعات العائدة وأعلنوا إنفصال الشمال وقيام دولتهم .
وحتى يزيد الوضع تعقيدا وخطورة دخلت المجموعات المسلحة على الخط وسرقت «الإنتصار» الذي حققته حركة تحرير الأزواد وأعلنت إحكام قبضتها على شمال مالي وأصبحت الآمر والناهي فيه، كما أمعنت في ممارسة سياسة الخطف والترهيب والإجرام مما حرك المجتمع الدولي الذي توحد حول ضرورة تحرير شمال دولة مالي ،وإعادته إلى سيادة باماكو، لكنه تفرق حول الطريقة بين من يرافع من أجل الخيار العسكري  باعتبار أن المجموعات المسلحة والمتمردة لا تفهم غير لغة القوة، وبين متخوف من أن يقود خيار السلاح إلى إشعال كل المنطقة وإحراقها ....
وبعد أشهر من معركة شد الحبال بين من ينشد التدخل العسكري في مالي ومن يتمسك بالحل التفاوضي يبدو اليوم بأن الغلبة هي للمراهنين على خيار القوة والذي تتبناه وتدافع عنه بطريقة تبعث على الشك والريبة عرابة الحسم العسكري فرنسا التي حققت كما نرى بعض الإنتصار إثر إقرار مجلس الأمن الجمعة مهلة شهر ونصف أمام مجموعة دول غرب إفريقيا لتوضيح خططها بشأن التدخل العسكري في مالي الذي أصبح كما نرى الطرح الأكثر تداولا ودعما رغم أن العديد من الأطراف وعلى رأسها الجزائر، تتخوف من تداعيات خيارالقوة  وترافع من أجل الحل التفاوضي، لكن الظاهر أنه مثلما تم التجاهل التحذيرات الجزائرية من تداعيات التدخل العسكري للإطاحة بنظام القذافي الذي أنتج أزمة مالي، يتم اليوم أيضا التقليل من أهمية التخوفات الجزائرية المشروعة وتعمد تجاهل مقترحاتها المبنية على تقديم الحلول التفاوضية السلمية لتفادي تكرار ما وقع في أفغانستان فالحرب التي أعلنتها أمريكا في خريف ٢٠١١ للإطاحة بنظام طالبان والقضاء على القاعدة مازالت مستمرة إلى اليوم وحصدت أرقاما رهيبة من الضحايا المدنيين وامتدت لتزعزع الإستقرار الأمني لباكستان، والخيار العسكري في مالي سيكون له نفس العواقب.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024