لم يكن دور النخبة اليوم في مستوى التطلعات، التي راهن عليها الشارع، وظلت الجامعة بعيدة عن تخريج النخب المتشبعة بالوعي، وتنوير الرأي العام لما ما يدور حوله، في ظل الحراك الشعبي القائم منذ الـ22 فيفري المنصرم ولا يزال متواصلا بنفس الكيفية والوتيرة، مع الرفع من سقف المطالب كل جمعة.
إذا كانت الجامعة الجزائرية منارة لإنتاج الوعي، فهي معنية كطرف اساسي واستراتيجي في مرافقة الحراك الشعبي المطالب بالتغيير السياسي بإنتاج مشاريع النخب الحقيقة القائمة على التغيير، لا على النخب التي تبقى تحت وصاية اللوبيات والتشكيلات السياسية، دون ان تمنح بصمتها المعرفية والفكرية في المشهد السياسي، وتبقى بعيدة عنه، أما ان يكون الابتعاد بإرادة سياسية مفروضة في سياقات زمنية متفاوتة، أو ان هذا الابتعاد هو حصيلة لتراكمات بيداغوجية جعلتها تنأى عن نفسها حيال الخوض في مجالات السياسية ومرافقة المشهد بكل تفاصيله كشريك فعلي يرافق ويتابع كل التطورات التي يعرفها البلد، سواء سياسية، اقتصادييه، اجتماعية وغيرها.
لعل فهم أمهات القضايا، وفق منظور أكاديمي عقلاني، بعيدا عن الانفعالية والإيديولوجية، هي ميزة النخب «الانتلجسيا» الجديرة بالاحترام والاقتداء، لما تفتحه من آفاق للعقل المفكر الباحث عن رؤية استشرافية من منطلقات راهنة، عكس تلك النخب التي لم يكن تواجدها في الحراك الشعبي بذلك الأمر الذي كنا نريده، أو كنا ننتظر منه تلك الغايات، دون الغوص في تفاصيلها.
ليس من المعقول اطلاقا ان تستند مسيرات بهذا الحجم، إلى مطالب لا يتفق عليها اثنان بعيدا عن المطالب المشروعة التي في مقدمتها رحيل الباءات الأربعة، لكن ترتيب الأولويات هو مربط الفرس، أمام حالات الاحتقان الفكري، واللجوء إلى خطاب الكراهية والانفعالية، الذي لن يؤدي إلى أشياء محمودة، غاية العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، التوزيع العادل للثروة، الحق في العيش الرغيد، حلم كل مواطن.
صحيح ان الأحزاب السياسية والتشكيلات المدنية الأخرى غلبت كفتها على هذا الدور النخبوي، ان لم نقل انها همشته مع سبق الاصرار، حتى لا يظهر في واجهة المشهد السياسي كحصان طروادة، بل ليكون كصمام الأمان.