”احكموا بالعدل” .. حراك القاضي

سعيد بن عياد
16 أفريل 2019

سجلت تطورات الحراك الذي يعكس ديناميكية لإطلاق مسار تغيير شامل ومتبصر للانتقال إلى مرحلة أكثر نجاعة في كافة المجالات حتى لا تخرج الجزائر من نطاق البلدان الناشئة  حضورا لسلك القضاة من خلال بروز مطالب تقود إلى بناء سلطة قضائية حقيقية مستقلة عن باقي السلطات الدستورية ولا تخضع إلا للقانون بالمعايير الاحترافية بالشفافية المطلوبة.
انخراط القضاة في هذا المسار له دواعيه الشرعية بالتأكيد من حيث الحرص على المركز الدستوري للقضاء وحرية ممارسه في العمل ضمن محيط يعكس توجهات وممارسات تؤثر وتتأثر في مؤسسات الدولة وخاصة العدالة، في وقت يتطلع فيه المجتمع وفي كل المراحل الى بلوغ مستويات متقدمة في إرساء دولة القانون بكل ما تعنيه الكلمة من حماية للحقوق وتدقيق للصلاحيات وضبط للسلطات.
لعل أفضل سلوك جدي يمارس من خلاله القاضي، على مستوى المحاكم والمجالس والمحكمة العليا وكل المراكز ذات الصلة بممارسة السلطة القضائية، حراكه ضمن المشهد القائم اليوم، أن يحرص على ترجمة القيمة المثلى للعدالة بالسهر على الحكم بين الناس بالعدل، فيحمي حقوق المواطنين، فلا يخضع لنفوذ أو تعليمات خارجة عن القانون أو إغراءات دنيئة.
حقيقة هناك فئة من القضاة، يصعب تحديد نسبتهم، قد لا ينزلقون إلى خانة الفساد، ويواجهون شتى الممارسات لثنيهم عن القيام بواجبهم المهني وفقا للقواعد والأخلاق والمعايير القانونية، إلا أن هناك  صورا غير طيبة عن بعض ممن يحملون تلك الصفة على أكثر من مستوى، ساهمت في تأجيج الرأي العام وحشد إرادة الرفض التي تبلغ أحيانا درجة من التطرف، الذي لا يفككه سوى انتهاج خيارات واقعية تجمع بين الرؤية المتبصرة في أفق يحمل تهديدات خطيرة إقليمية ودولية بالأخص، ورغبة الحراك في تحقيق مطالب محورية تحولت إلى قاسم مشارك للجماهير قاطبة، ويتعلق المر باختفاء الباءات الأربعة، خاصة بعد أن رحل رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز.
يمكن للقضاة إن كانوا حقيقة على قناعة بترجمة مطالب الشعب، وهي مطالب جوهرية لها طابع الأولوية في المرحلة الراهنة، الشروع في إحداث التغيير على مستوى الممارسة المهنية كخطوة محورية تتقاطع مع ما يتطلع إليه الحراك الشعبي، بغض النظر عن رؤية كل جهة للظاهرة، وذلك بالالتزام الفعلي بالواجب المهني كما يقتضيه الأمر، في مجتمع متحضر تسود فيه قيم المواطنة التي تختفي فيها الفوارق مهما كانت طبيعتها ليسمو العدل بين الناس، فتتحول مقرات القضاء إلى ملجأ للطمأنينة التي تعزز الثقة  فيتجدد معها الأمل.
إن القاضي الذي يصدر الأحكام باسم الشعب الجزائري ويتميز بالحياد بالنظر لطبيعة مركزه في المجتمع خاصة في ظل الديمقراطية والاختلاف في الرأي وتضارب المصالح، هو أول معني بتأسيس المرحلة الجديدة، ومن ثمة ينبغي أن يكون في مستوى تلك التطلعات المشروعة بالانخراط في ديناميكية التحول عن طريق العمل ضمن النطاق القانوني للمهنة، والتمسك بحمايتها من أي تهاون أو تسيب  أو تلاعب مهما كان مصدره، سواء سلطة رئاسية أو أصحاب مصالح ونفوذ يستهدفونها.
ويمكن بإعادة وضع القضاء على السكة الصحيحة، بواسطة الفاعلين فيها من مختلف الشركاء تحت مظلة القانون وما يتصل بها من أخلاق، تقديم إجابة بناءة لممارسي السلطة القضائية وللمجتمع الذي يراقبهم، بحيث يساعد نبذ الفساد والتقزز منه في دواليب وكواليس المنظومة القضائية، والتصدي للأوامر الفوقية التعسفية، وكسر جدار الصمت تجاه المحاباة والتلاعب بالقضايا والالتواء على القوانين والإجراءات، على تطهير المشهد وبعث نفس جديد في قطاع فيه كفاءات بشرية لها طاقة خلاقة متشبعة بالقيم، ويرتكز عليه مسار التغيير المنشود، باعتباره، أي القضاء، الحصن الحافظ للحقوق والصخرة التي يتكسر عليها الظلم أيا كان.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024