يمضي الرجال وتبقى أعمالهم ليحكم التاريخ لهم أو عليهم.. ومن هؤلاء الرجال الشاذلي بن جديد الذي فضل الصمت بعد أزمة خروجه من السلطة في 11 جانفي 1992 وودعه الشعب الجزائري بكافة مشاربه وأطيافه إلى مثواه الأخير في جنازة مهيبة ويتمناها أكثر من قائد عربي يوم 8 أكتوبر 2012.
كان صمت الرجل تضحية أخرى في مسار العطاء للوطن وتحمل الثقل فتجرعه بكل ما فيه من مرارة بدل أن ينعكس ذلك على الشعب ففضل الاستقرار طالما أن الفرد يذوب في المجموعة الوطنية وتسقط الأوسمة والنياشين أمام المصلحة العليا للبلاد ومستقبل المجتمع.
لو علم الراحل كيف ودعه أبناء شعبه وتأثرت لرحيله أجيال بكاملها بمن فيهم خصومه لتأكد من أن الشعب الجزائري بقدر ما هو صارم ومتشدد في إطلاق الأحكام بقدر ما هو طيب وإنساني وغير جحود.
لقد كان الراحل سواء وهو في السلطة أو خارجها عرضة لموجة لم تتوقف من النكت وفيها ما هو مزعج لمن قلبه ضيق وصدره غير رحب، وكان يرد دوما كما نقل عنه ».. هذا هو الشعب الجزائري..«، ويقصد أن الإنسان الجزائري بقدر ما يكون قاسيا لما يعرف عنه من إصرار على العيش الكريم وتمسك بالعدالة وتكافؤ الفرص ونبذ للتمييز الطبقي والانتهازية والجهوية، بقدر ما هو شهم يحتضن قادته ويدافع عنهم تجاه أي قدح أو تجاوز حتى في الخارج ويقف إلى جانبه في الأوقات الصعبة والمصيرية.
ربما تجربته وتركيبته الإنسانية التي تشكلت طيلة سنوات حرب التحرير جعلت منه رجلا عسكريا لا يهتز لأصغر الصغائر فكان من الكبار الذين يعرفون حق قدرهم وهي من خصال أولئك الذين لا يهزمون أمام المسؤوليات أو يخضعون للمغريات. وقد قالها بعظمة لسانه ».. الكرسي لا يغريني«.
شاءت الأقدار أن يخلف الراحل هواري بومدين على رأس الدولة وتحمل الميراث الثقيل حينذاك بكامل المسؤولية مع أن الكثيرين لهم ضلع فيها ولا يمكن للتاريخ أن يسقطهم أيضا سواء كان أمرا ايجابيا وسلبيا.
ولأن الموت حق ولا يمكن الفرار منه على ما فيه من جبن فان الرئيس الشاذلي بن جديد رحل في كنف العزة والتقدير تاركا البلاد تحيي الذكرى الخمسين لاسترجاع السيادة الوطنية مع التطلع إلى تحقيق المزيد، وما هذا بكبير على الشعب الجزائري الذي لا خيار له سوى تمتين الارتباط بالقيم النوفمبرية التي ترتكز عليها مسارات التنمية المادية.
يمضي الرجــال وتبقى الأعمال خالدة
بقلم: سعيد بن عياد
08
أكتوير
2012
شوهد:1381 مرة