بعد سنة من العمل والدّراسة

متفوّقون وعمّال يقضون موسم الاصطياف بين جدران منازلهم

البليدة: لينة ياسمين

اقتربت العطلة الصيفية على الانقضاء، ولم تبق إلا أيام وتنطلق الدراسة ويعود التلاميذ إلى أقسامهم، وبعض المحظوظين في عطلتهم  السنوية، إلا أن هناك عائلات ما تزال ولغاية اليوم حبيسة جدران سكناتها، لم تتحرك وتبرمج أين تقضي ما تبقى من تلك الأيام القليلة في آخر شهر منها، والسبب البارز والمعجز  «المصروف» من جهة، ونقص بل وانعدام مرافق تربوية أو ترفيهية يلجأ إليها الكبار قبل الصغار، في التخفيف عن ضغط عام دراسي أو مهني. التفاصيل في هذا الاستطلاع الذي قامت به «الشعب».
غير المتوقع، أن فيهم مثقفين وميسوري حال لم يجدوا من حل لعقدة العطلة الصيفية، وأيضا الناجحون في مختلف شهادات الاطوار التعليمية الابتدائية والمتوسطة والبكالوريا، رغم أرقام معدلاتهم العالية والممتازة، الا أن كل تلك الامتيازات لم تشفع لهم، عادت «الشعب» تسرد بعضا من تلك الاعترافات لأولياء وأبنائهم، وكيف مرت عليهم تلكم الـ 90 حلقة من يومياتهم الصامتة وراء الجدران الساكنة أو في تنقل بين إدارات واخرى لاستخراج وثائق والقائمة طويلة.
«بشرى» و»ياسمين» في رحلة بحث لاستخراج وثائق إدارية   
«بشرى مينة»، البرعمة صاحبة الابتسامة النادرة تفوّقت في شهادة البكالوريا لدورة جوان 2017، ونالت أعلى معدل بمدرسة خاصة تجاوز 18 من 20، وفي وقت كان الجميع من أفراد أسرتها والجيران، يتوقعون ان تهرب بنفسها وتطير بعيدا للاستمتاع بعطلة صيفية وبطعم النجاح، الا ان الواقع لم يكن كذلك، ولم تتمكن الطالبة المجتهدة ان تقضي عطلة مريحة في أي مكان بعيد عن جو الدراسة.
ظلت «بشرى» رغم معدلها الذي يشفع لها في الولوج الى عالم الاكاديميات والتخصصات العلمية من أي باب، تفكر في كيفية خوض تجربة الامتحان من جديد، ونيل معدل اعلى وتحطم رقما قياسيا وطنيا، وهي الشغوفة وصاحبة الارادة والعزم، لأنها ليست راضية عن ذلك المعدل.
 وفي ظل هذه النفسية «غير القنوعة»، وترتيبا لبرنامج السنة الداخلة، ظلت بين جدران سكن والديها وشقيقها، واغتنمت الا فرصا قليلة في الترويح عن نفسها، وتحول وقتها بين التسجيل في الجامعة واستخراج الوثائق، وأن ذلك أخذ منها وقتا كافيا وكبيرا، وحرمها في شق من الاستمتاع بالعطلة، وهي التي لم تكن تتصور أن كل ذلك سيحدث معها.
أما «ياسمين» فالأمر كاد يكون مشابها، لكن الصورة تفرق معها فقط في كونها نالت شهادة التعليم المتوسط، وهي وبعد سنة من التعب والضغط، لم تنل كل وقتها من العطلة ولم تفرح بها لغاية اليوم، وما كان لها أن خرجت مع افراد اسرتها في سهرة لتناول عشاء لذيذ ووحيد، وقصدت البحر لمرة واحدة ايضا، ودون ذلك فلم تر أي مصيف على عكس السنوات السابقة، ولم تزر جدها وجدتها وعمّاتها وبقية افراد العائلة الكبيرة، والتي تقيم بعيدا عنهم، وظلّت تقدم العون لوالدتها، لان الوالد فرض عليهم اجباريا وليس اختياريا، دهن شقتهم مثل كثير من الاولياء، الذين يفضلون قضاء عطلهم السنوية في انجاز مشاريع بناء وترتيب وتهيئة سكناتهم، ما عدا ذلك استقر بها المطاف في قضاء يومين إلى 3  لدى خالاتها، ودوما بين 4 جدران ومكيف هوائي قليلا ما يشغل.
عطلة منزلية وليست صيفية
المثير واللافت أن العطلة الصيفية لدينا تنطبق على الانسان البسيط او العامل العادي، والميسور الذي بحوزته الدينار والدولار، فغالبية الأولياء وحسب اعترافات منهم، ما يزالون يتخبطون في حلقة مفرغة أين يقضي أبناؤهم عطلتهم الصيفية، فالمحظوظون لديهم برنامج عطلة مرتبط بعطلة  الوالد السنوية، والمحسوبة بـ 3 اسابيع أو 30 يوما، لكنهم في غالب الامر،  تجدهم ينفقون مدخراتهم في التخييم لمدة أسبوع، إن حالفهم الحظ وكانت أسعار تأجير الشقق أو ما يشبه السكنات على شواطئ البحر في المقدور
«المحتم» عليهم (هنا تستعمل الاداة الشرطية «إن») لأن قيمة الشقة من غرفتين بمدن ساحلية مثل تنس وبني حواء و سيدي عبد الرحمان وجيجل وسيدي عبد العزيز والغزوات ومرسى بن مهيدي وغيرها ، تتراوح أسعارها بين  الـ 3500 و4000 دينار.
 هذا السعر طبعا للمحظوظين الذين لا يشترطون الامتيازات كثيرا، أما إن زادوا في الفترة وأكملوها «10» عشرا بالتمام ، فإن رب الأسرة مطالب بدفع أجرة راتبه الشهري كاملا لتسديد حقوق التأجير فقط، ومصروف الطعام  والتنقل وشراء المستلزمات. يضاف إلى قيمة ميزانية الكراء لتصبح قيمة الإنفاق إجمالا، في حساب مضبوط لزوج ولديه طفلان مثلا تقدر بنحو 60 الف دج، تنفق في 10 أيام، وهو راتب لإطار لديه خبرة زادت عن الـ 10 سنوات في عمله، أما إن كان عاملا من فئة الأعوان الإداريين، فيلزمه راتبه الشهري في اثنان أي يلزمه راتب لشهرين كاملين حتى يُحصّل تلك القيمة، وإن اجتهد فعليه اقتراض نصف المبلغ حتى ينجو بنفسه ومن سؤال زوجته وتذمر أطفاله وإلحاحهم، ومن دون هاتين الفئتين فالجواب لمن يريد الاصطياف عبارة بين الجزائريين وكما يقول الفكاهي «فلاق»: «الله غالب هذا الموجود».
هنا يأتي المشهد الثاني مصوّرا حلقة أخرى من مسلسل بقي منه 89 يوما.
العطلة والفراغ
مسألة العطلة الصيفية باتت فعلا كابوسا معقدا، ويقول طبيب التقت به  «الشعب»،  وبعبارة مختصرة وكلام موجز وفيه معاني: «ان العطلة بالنسبة إليه هي الفراغ الكبير، ورغم أن مدخوله محترم ويسمح له بقضاء عطلة مريحة، لكن ذلك يُعجزه من أن ينفق ميزانية على امتد 90 يوما، وهو في كل مرة يجتهد ويتحايل على أطفاله في ان يرافقهم في عطلة نهاية الأسبوع الى البحر، في انتظار تخصيص لهم قسطا من اجازته السنوية، أي حسابيا يجد نفسه وحسب اعترافه بأنه يخصص من كل تلك الـ 3 أشهر، سوى أيام قليلة قد لا تصل الى الـ 20 يوما».
 وأضاف الطبيب أن ما ينغصه أن بعض النوادي الرياضية تتوقف عن ممارسة الأنشطة وتغلق أبوابها  في الصيف، ثم أنه ليس فيه مدارس خاصة تفتح ابوابها في العطلة الصيفية.
بل و يثير كلاما غريبا من أن بعض المدارس القرآنية تغلق أبوابها هي الأخرى خلال عطلة الصيف، تسلم الجوائز للحفظة خلال رمضان، ثم تسدل أبوابها وكأنها مدارس منظومة التربية الوطنية أو حتى خاصة، وحينما يحل موعد الدخول الاجتماعي تعود الى نشاطها، وهي المفارقة التي يقول لم أجد لها تحليلا ولا تفسيرا ولا حتى تعليقا، كيف لأطفالنا أن يحفظوا القرآن خلال سنتهم الدراسية، غريب أمرنا يعلق الدكتور الطبيب.
وواصل الدكتور: «برامجنا وبرمجياتنا في غالبيتها بالمقلوب»، ويضيف بأن دولا بالضفة الأخرى تطيل في سنتها الدراسية، ولا تفرج عن المتمدرسين إلا مع الأسابيع الأخيرة من شهر جويلية، وهو ما يسمح للأولياء وأطفالهم قضاء عطلة سنوية مريحة، ويتذكرونها جيدا بايجابياتها وليس بـ « كوابيسها» كما يحصل بيننا، خاصة وأن بعضا من الأولياء يحول عطلته السنوية الى ورشة للبناء او دهن الحيطان وإعادة تهيئة وترتيب سكنه، وهكذا يقضي على ميزانية العطلة، كان يدخرها لقضاء موسم الاصطياف رفقة أبنائه، فيما يتبخر أي أمل في قضاء أيام على شواطئ البحر، كما هو متعارف بيننا.
الأسبوع الأخير بداية الانهيار والأنترنيت ينقذ الأولياء
قارب شهر أوت على الانقضاء، وبدأت الضغوطات على الأولياء، فالمحظوظ الميسور من العائلات لديه اشتراك شهري بالشبكة العنكبوتية، وهو ما يعني نجاته نسبيا من الضغط والسؤال: «أين ستأخذنا في هذا الشهر؟ وفي كل مرة ينجو من فخ الضغط، ويرد عليهم بأن عطلته اقتربت مع الشهرالداخل، وتبدأ أوراق الشهر في التساقط، ويقارب الشهر على الانقضاء واللاعود ، ويستمر مسلسل السجن بالدار، فيما لجأت عائلات إلى إرسال ابنائها لقضاء ايام لدى الاهل والاقارب، ثم العودة من جديد إلى السجن الصيفي إن صح التعبير، في حين تجد شبابا اجتهدوا وبحثوا في المحلات التجارية والمقاهي عن عمل مؤقت، بينما البقية اختاروا موسم جني الفاكهة في الترويح عن أنفسهم وجمع بعض الدناني لمن ميزانية أوليائهم ضعيفة أو معدومة، وفي الليل يتسامرون تحت أضواء القمر والإنارة العمومية العمياء في غالبها، ويقضون وقتا في لعب الدومينو».
فيما بعض من شباب أحياء شعبية خاطروا بأنفسهم وغامروا وحولوا طرقات عامة سريعة على مستوى تلك الأحياء النائية في أوقات متأخرة من الليل إلى ملاعب» لممارسة نشاطهم الكروي، وما إن تقترب منهم مركبة  تجدهم في حركة آلية يتوقفون عن اللعب ويتسمرون، حتى تمر وتبعد عنهم، ويعودوا من جديد لمواصلة مقابلاتهم، وهكذا يقضون يومياتهم الصيفية كل سنة.
اليوم الأخير...سبتمبر حل ولا بحر ولا سفر أو سياحة
بالمختصر الشديد ودون إطالة أو إطناب واسترسال، شهر سبتمبر يحل قريبا  ويبدأ الناس يتأهبون للدخول الاجتماعي، وانقضت العطلة الصيفية ولم يبق منها إلا ايام معدودات.
هنا يجد الأطفال الذين حلموا ولو بأسبوع في البحر، بأن الوقت انتهى ولم يبق لديهم سوى الاستسلام للواقع والتحضير للدخول المدرسي.
على هذا المنوال ينتهي كابوس الـ 90 يوما بكل جدارة واستحقاق، وليس هنا من تعليق سوى التسليم كما يقول غالبيتنا للقضاء والقدر ولكن بـ «مُره» وليس بـ «حلوه» ، والاستعداد للدخول المدارسي، وبدأ مسلسل جديد من 270 يوما تقريبا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024