«دومـــــــــــــا» .. رجل يمزج بين الاقتصاد والثقافة

سعيد بن عياد

«حيثما حلّ وارتحل، إلا وكانت الثقافة هاجسه كونها الوقود الذي يجدد النفس ويربط الصلة الدائمة بين الإنسان وبيئته، فلا تناقض بين التمسك بالأصالة بكل جوانبها والانفتاح على العالم»
رجل لا يعرف الفشل طريقا إليه، يخوض معترك الحياة متكئا على العمل والتكيف مع التغيّرات الاقتصادية والاجتماعية، لكنه يعطي للثقافة والاتصال والحوار مكانة مميزة في حياته اليومية. إنه بوحالة إدريس المعروف بـ دوما (كلمة شاوية تعني خويا) مثال جدير بالتنويه، لأنه يعكس قيمة الحرص على النجاح بالعمل والمبادرة وتحمل الصعاب. ينحدر من عين توتة (ولاية باتنة)، استمد إرادته من بيئة الأوراس حيث معدن الرجال، ابن شهيد، دخل عالم المبادرة الفردية لبناء مسار مهني في عالم الاقتصاد متحديا الصعوبات ومواجها الظروف.
بعد تجربة في التعليم اكتشف ادريس أن لديه طاقة خلاقة ينبغي تفجيرها في الميدان، فانطلق معتمدا على ساعديه وإرادة لا تلين، متشبعا من منبع ثقافة الرجل الحر، ليحلق في سماء فيها طيور جارحة، كان لا بد من البحث بينهم عن لقمة عيش كريم. الفشل، التردد والخوف من المستقبل، مصطلحات لا مجال لها في قاموس حياته الرجل، الذي لا تكون مناسبة أو فرصة لقاء مع الشباب إلا ونقل إليهم تجربته، عنوانها، الإتقان في العمل. بتلك الروح انطلق في المقاولاتية الصغيرة، وبعد سنوات من الغرس والعمل والمتابعة والمثابرة بلغ ما كان يريده، ويعتز اليوم بأن له دور اجتماعي واقتصادي وحتى ثقافي في المجتمع.
بالموازاة مع النشاط المهني طوال السنة، يحرص الرجل على أن يعطي لوجوده لمسة ثقافية، والواقع أن كل حديثة يمزج بالكلمة الموزونة واللّمسة الفنية والرؤية التفاؤلية، فالحياة بالنسبة إليه ليست كسبا ماديا فقط وإنما مساهمة في نشر قيم الإخاء والتسامح والتعاون من حول القيام بالواجب المهني، وليس ما هو أفضل من ابتسامة لنقل القيم الفاضلة للأجيال، رسالة رسخها لدى ابنائه الجامعيين الذين يقتادون بأبيهم في خوض دروب الحياة.
حيثما حلّ وارتحل، إلا وكانت الثقافة هاجسه كونها الوقود الذي يجدد النفس ويربط الصلة الدائمة بين الإنسان وبيئته، فلا تناقض بين التمسك بالأصالة بكل جوانبها والانفتاح على العالم، ذلك أن الجانب الذي يحسم المعادلة هو قيمة ما يوضع في مضمون العلاقة الاجتماعية بين الأفراد، بمعنى فحوى النقاشات ومضامين الحديث من حيث قوتها في ربط الصلات بين الناس حول هدف واحد هو التواجد في الصف الأول بين المجتمعات. يحرص على أن يجمع حوله أهل الفكر والأدب والعلم من كل التخصصات، يجدون الفضاء المناسب للحديث في القضايا اليومية التي تهم الوطن، فكل كلمة لها مدلول وقيمة في الحياة ومن ثمة لا ينبغي أن تضيع دقائق وساعات دون أن يحقق الإنسان خلالها مساهمة في تنمية مركز الفرد في بيئته.
التقارب بين الجهات ومزج الثقافات المحلية في الوطن الواحد قناعة راسخة، وليس من جسر للتواصل أكثر ارتباطا بالإنسان مثل الطبخ والغذاء، الذي يعتبر قاطرة تمتد عبر الجغرافيا والفصول. لذلك فضل أن يهتدي إلى سبيل فيه روح الخدمة ويتأخر فيه جانب الكسب التجاري، فقام بفتح مطعم خدمات يسوق مأكولات تقليدية من المجتمع الشاوي الأصيل. يقع المكان بأحد أحياء غرب تيبازة حيث يجد الزائر وعابر الطريق والسائح ما يستهويه من أكلات ذات جودة تقدم باحترافية، من شخشوخة بنوعيها الورقي وبالكسرة، تيمخلّعت، رفيس، زيراوي، روينة والزفيطي إلى جانب أصناف الخبز تقليدي وشتى الأطباق التي تقاوم الزمن وتأبى أن تختفي، تعدها أنامل نساء من حرائر الجزائر اللواتي يحرصن على الجودة والنظافة. ولتأكيد السعي لإبراز الفعل الثقافي أكثر من التجاري، بادر بتهيئة المساحة التي يطلب عليها المطعم مع القيام بكل إجراءات استغلال الرصيف وفقا للقانون ليكون مثالا في التمدّن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024