عراقة عمران يروي حضارة عبر العصور

أحياء قسنطينة العتيقة تنهار والسّلطات المحليّة لا تحرّك ساكنا

قسنطينة: مفيدة طريفي

السكان يستغيثون ويطالبون بوضع حدّ للانهيار

عاشت حالة انتعاش ثقافي واجتماعي مميّزة لدى اختيارها عاصمة للثقافة العربية سنة 2015، انطلقت خلالها عمليات تحسين المحيط العام بدءاً من ترميم المدينة القديمة التي كانت على وشك الانهيار والزوال وصولا إلى القضاء على القمامة. تمّ فتح خلالها ورشة كبيرة لتحسين وجه سيرتا العتيقة بتخصيص مبالغ مالية ضخمة من أجل استقبال ضيوف الجزائر عربا وعجما، إلاّ أنّه وبعد انتهاء السنة الثقافية تلاشت برامج التحسين الحضري فجأة، وتوقفت عمليات ترميم المدينة القديمة وإعادة هيكلة البنايات على غرار القصبة، رحبة الصوف، وحي طاطاش بلقاسم «الشارع» والقائمة طويلة.

في زيارة ميدانية لأعتق حي بعاصمة الشرق الجزائري، والذي كان يسمى «بالشارع» سابقا بعد تسميته بحي طاطاش بلقاسم الواقع على ضفاف وادي»الرميس»، وقفت «الشعب» على حقيقة الإهمال والتّسيّب الذي طال البنايات التي تحوّلت لمجرّد أطلال تعبث بها أيادي المنحرفين أخلاقيا.
يجري هذا على مقربة من الزّاوية الرحمانية التي تعتبر من أقدم زوايا قسنطينة، حيث أضحت مفرغة  لنفايات المنازل والمحلات التجارية، ما أدّى إلى الانتشار الواسع للروائح الكريهة فضلا عن بقايا الحفر العميقة التي قامت بها جهات عثرت على آثار قيمة تعود إلى الحقبة الرومانية، الأمر الذي أدّى بهذه الجهة المكلّفة بالمشروع إلى مغادرة المكان دون رجعة إلى حد كتابة هذه الأسطر، مخلّفة وراءها فوضى كبيرة محفوفة بالمخاطر، سيما وأن السكان اشتكوا مرارا وتكرارا من الوضعية المزرية التي آل إليها الحي في ظل تغاضي السلطات البلدية في العمل بشكل جدي لرفع القمامة والترميم.
أكّد هذا الانشغال لـ «الشعب» بعض الشباب القاطن بحي طاطاش بلقاسم، قائلين بنبرة غضب أنّهم «يعانون الأمراض جراء الروائح الكريهة التي تنبعث من الأوساخ وبقايا اللحوم والعظام، ما يجلب الكلاب الضالة والحشرات المضرة». الأحياء العتيقة التي تعتبر واجهة عاصمة الشرق الجزائري وقلبها النابض وسحر جمالها وعراقة أصالتها وحضارتها التي تروي ألف حكاية وأساطير، تتعرض دون سابق إنذار  للإهمال والتسيب، في حين أن عمليات الترميم المبرمجة مسبقا في إطار استعادة الموروث الثقافي التاريخي، توقّفت وتركت المدينة تعيش الانهيارات المباغتة انطلاقا من حي طاطاش بلقاسم ورحبة الصوف وصولا إلى «القصبة» الشهيرة ببناياتها العتيقة والمتداخلة فيما بينها. وهي التجمع السكاني الذي لا يزال لحد كتابة هذه الأسطر يصارع الزمن، تكشف عنه الصورة البائسة التعيسة وتترجمها بصدق، الانهيارات التي تهدد تاريخها وتمسح معالم لن يكررها الزمن. نقول هذا استنادا إلى معطيات توقفنا عندها ورصدناها عن قرب، فدار العلامة «عبد الحميد بن باديس» بالقصبة تنهار على مرأى المدينة التي تئنّ لفقدان مدنها العتيقة، وتصرخ لإنقاذها حتى لا تتعرض للطمس والاندثار. يحدث هذا أمام الملأ ولا أحد يحرّك ساكنا من أصحاب القرار المحلي، رغم برمجتها لعمليات الترميم إلا أن العمل بها توقف نهائيا الأمر الذي يهدد الوضع العام للحي.
نفس الوضعية تعيشها السويقة بمرارة، السويقة التي أضحت بناياتها أطلالا، راحت ضحية للتلاعب بتجسيد برنامج التظاهرة والمتمثل في ترميمها وإعادة الاعتبار لمدينة قديمة مصنفة عالميا. ترميمات لم تتم، تاركة السكان يجددون صراخهم واستغاثاتهم للسلطات المعنية بالتدخل العاجل، فهل من آذان صاغية يا ترى؟
وحدها الأيام تحمل الإجابة الكافية الشافية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024