يرى أستاذ التاريخ بجامعة الجلفة حسان مغدوري، أن سياسة فرنسا الاستعمارية في الجزائر كانت قائمة على أساس عنصري وتهدف إلى إبادة الشعب الجزائري، مفيدا بأن مجازر 8 ماي 1945، لم تكن الأولى من نوعها وسبقتها عدة أحداث إبادة في فترات تاريخية مختلفة.
قال أستاذ التاريخ بجامعة الجلفة حسان مغدوري، خلال تدخله في منتدى “الشعب’’، إن ربط الجرائم الفرنسية بمجازر ماي 1945 يعتبر خطأ كبيرا وقع فيه العديد من المؤرخين، بالنظر لجسامة عدد الضحايا الذين استشهدوا خلال هذه الأحداث، لكن يجب أن نفهم هنا أن السياسة الاستعمارية منذ القرن التاسع عشر ومنذ معركة سطاوالي في جوان 1830 بدأت معالم لسياسة إبادة ضد السكان الجزائريين، لاسيما وان الاستعمار استند إلى سياسة استيطانية التي استقدمت موجات بشرية من الوطن الاستعماري نحو الوطن المستعمَر بهدف زرعهم في ارض الجزائر، مقابل إزاحة الإنسان الجزائري في إطار حرب إبادة بدأها العسكريون الأوائل وفي هذا المقام يمكن ان نذكر سياسة الماريشال بيجو وسلسلة الجرائم التي ارتكبها في الجزائريين”.
وأضاف المتحدث، ‘’سلسلة جرائم فرنسا الاستعمارية متعددة ومتشعبة ولا يمكن سردها كلها في هذا المقام، لكن وجب التذكير ببعضها وعلى سبيل المثال حادثة إبادة سكان البليدة في سنة 1840 وقبيلة العوفية التي كانت تسكن على ضفاف وادي الحراش، وإبادة زعيم القبيلة ربيع بن سيدي غانم والإبادة التي اقترفها الفرنسيون في منطقة الظهرة فيما يعرف بمغارة الفراشيش وكانت أول محرقة في التاريخ والمعروف تاريخيا أن هذه الجريمة استهوت حتى الفنانين ووضعوا لها لوحات، حيث تم حشر ما يناهز ألف جزائري وتم إحراقهم في مغارة. وتعتبر معركة الأغواط في 1952 واحدة من المجازر البشعة التي ارتكبتها فرنسا إبان الثورة والتي أصبحت ضحاياها بمثابة بلاط، إضافة إلى جريمة عين الناقة 1854 فيما يعرف بمنطقة عين الناقة التي تم إبادة فرع من قبيلة أولاد نايل المعروفة أم لخوى وامتدادا تقريبا إلى معركة “تيط” بتمنراست في مواجهة الطوارق الذين استشهد منهم حوالي 200 شهيد. وبحسب الأستاذ، فإن هذه الجرائم عبارة عن مواضع من فترة القرن 19، أما إذا تحدثنا عن القرن العشرين فيجب علينا أن لا ننسى بأن ثمة مقدمات لأحداث 8 ماي 1945 كانت منذ فترة الثلاثينيات وخصصت لها فرنسا كتائب مما يسمى بالقناصة السينغاليين الذين كانوا عبارة عن كتائب تنشط في منطقة الشلف ومنطقة بسكرة والمسيلة وقسنطينة والتي كانت مخصصة لقمع كل التظاهرات بجميع الأشكال.
وتابع ضيف الشعب قائلا، ‘’إذا ما رجعنا إلى الصحافة الحرة في هذه المرحلة من الثلاثينيات لوجدناها تعج بمظاهر التمرد التي انتابت الجزائريين نتيجة لتحولات عميقة التي كان ثقلها يقع على عاتق الشعب الجزائري الذي عانى الجوع والمرض والأوبئة والإقصاء جراء السياسة الاستعمارية القائمة على العنصرية في الأساس ‘’الفلسفة الداروينية التي تم تحويرها تقريبا في إطار ما يسمى صراع الأجناس وحق العرق السامي في أن يسيطر ويستعمر ما يسمونه بالشعوب الدونية وهذا ما كرسه قانون الأهالي.
سياسة الفصل العنصري
لم يحظ الجزائريون على امتداد الفترة الاستعمارية، يؤكد الأستاذ، بما يسمى بالمواطنة والحقوق، مفيدا بأن السياسة الاستعمارية كانت تقوم على أساس عنصري وكانت تهدف من حيث المبدأ على إبادة الشعب الجزائري وأحداث الثامن من ماي 1945 أكبر دليل على هذه السياسة.
ويرى المؤرخ، أن فترة الحرب العالمية الثانية قد سجلت تطورات سياسية وعسكرية عميقة، بداية بتجنيد أزيد من 215 ألف جزائري للمشاركة في الحرب إبان الغزو الألماني لفرنسا الذي كانت جميع ارتداداته في الجزائر التي أضحت خلال الحرب العالمية الثانية محطة لحكومة فيشي ومحطة لتحرير فرنسا.
هذه الأمور أثرت، على حد قول الأستاذ، على توجه الجزائريين والمناضلين، وبالخصوص المناضل فرحات عباس، ولأول مرة، تعقد القضية الجزائرية أمام جهات دولية التي كانت بصدد هندسة السياسة الدولية في إطار ما يعرف بالتوقيع على الميثاق الأطلسي وعلى إقامة ما يعرف لاحقا بهيئة الأمم المتحدة، التي تقدم إليها فرحات عباس بمذكرة مطالب التي تطورت لاحقا، ولأول مرة، إلى بيان مشترك ‘’بيان 10 فيفري 1943’’ يجمع كل التيارات الوطنية الذي كشف عن مطالب واضحة بالنسبة للشعب الجزائري والتي التفت حول فكرة الاستقلال.
وفيما يتعلق بالأسباب العميقة لمجازر الثامن ماي قال مغدوري، إن هناك تقارير عن الشرطة والدرك والأمن، تتحدث عن مجريات الأحداث وأجمعت كلها على أن بلوغ التيار لأرقى مستواه وإقبال الجزائر والجزائريين على مشروع الانفصال عن فرنسا هو السبب القوي الذي جعل فرنسا تستثمر في 8 ماي 1945 من اجل الاستعداد لإجهاض هذا المشروع الوطني الذي بدأ يتشكل ويتبلور قبل الحرب العالمية الثانية.