الكيـان الصهيـوني يتكامل مـع المغـرب فـي جريمـة الاحتـلال
بقوّة القانون واستنادا للشرعية الدولية، حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره عبر إستفتاء شعبي ثابت ومكفول بالشرعية الدولية، فلا يمكن إسقاطه بل ويستحيل لموقف متحوّل ومفاجئ لأيّ دولة حركتها مصالح ضيّقة أن تنسف مسارا طويلا من الكفاح العسكري والنضال السياسي والدبلوماسي المستميت، وكذا أسباب وتداعيات تغيّر الموقف الإسباني في رسالة غريبة ومفاجئة في هذا الوقت بالتحديد، أيّ في أوج الحرب الروسية الأوكرانية، أهم ما عكف على تشريحه أساتذة العلوم السياسية بدرجة بروفسور إسماعيل دبش في مائدة مستديرة نظمها مركز الشعب للدراسات والبحوث، حيث تم تناول موضوع «إسبانيا والصحراء الغربية: من الاحتلال والتخلي عن المسؤولية التاريخية إلى الإنقلاب على الشرعية الدولية».
اعتبر البروفسور إسماعيل دبش أستاذ بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر3، أنّ خرجة إسبانيا الأخيرة، كشفت فيه عن موقف داعم للحكم الذاتي بالصحراء الغربية، لعبت فيها ورقة خاسرة لأنّ الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار وليس قضية جزائرية وفي ظل وجود 55 دولة تعترف بأنّها محتلة وتطالب باستقلالها، وبالإضافة إلى كل ذلك أنّ رئيس الصحراء الغربية استقبل، مؤخرا، في بروكسل.
ووصف البروفسور وأستاذ العلوم السياسية الخرجة الإسبانية الأخيرة بالخاطئة، وقال إنّها ستنقلب ضدها، ولم يخف، في سياق متصل، أنّ عمق التفكير الإسباني مقتنع وينادي بضرورة استقلال الصحراء الغربية في أقرب وقت ممكن، علما أنّ وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة كانت قد دعت إلى حتمية إجراء استفتاء شعبي بالصحراء الغربية.
وذكر البرفسور دبش أنّ الأزمة الأوكرانية ألقت بظلالها في مستجدات القضية الصحراوية، على خلفية أنّ الدول الغربية تتجه في تحديد المواقف السياسية للدول، إما مع أمريكا أو الحياد ومع روسيا ووزعت الأدوار بما فيها إسبانيا التي تحركت بهذا الاتجاه، ورغم أنّ الجزائر مصنّفة إعلاميا أنّها تتعاطف مع روسيا، غير أنه في الواقع عبرت عن موقفها في الجامعة العربية بدعوتها إلى ضرورة الحوار وحماية الأمن بالمنطقة بما فيها أمن روسيا.
ومن العوامل المؤثرة في تطورات القضية، قال البروفسور دبش الكيان الصهيوني الذي لا يخدمه قيام الدولة الصحراوية، لأنّه يقابله قيام الدولة الفلسطينية، ولأنّ الاحتلال الصهيوني يتكامل في هذا الشق مع الاحتلال المغربي، ويعتقد أنّ إسبانيا باتت سجينة أمريكا تتقيد بتعليماتها ولأنّ واشنطن تهدف لإضعاف أوروبا، حيث استخدمت القضية الصحراوية لابتزاز الدول وستتواصل العملية مع دول أخرى مستقبلا. وخلص إلى القول في هذا المقام أنّ الجزائر اتخذت موقفا صائبا.
تناقض وخطأ كبيرين
وعاد البروفسور دبش إلى تحديد آثار هذا القرار الإسباني، حيث أوضح أنّ إسبانيا منحت دورا كبيرا في القضية الصحراوية، مشيرا إلى أنّ مسألة الحكم الذاتي ليست بالجديدة، على خلفية أنّه منذ عام 1999 تم طرحه ولو تم تبنيه منذ عقود لحسم الموقف، أيّ حسب المناورة الاستعمارية المغربية،هذا يعني أنّ الاستعمار غير موجود فلماذا اليوم يهلل؟.. وإذا كانت أرضه.. فلماذا يبني جدارا عازلا؟.. ولماذا يقبل بالحكم الذاتي؟، أيّ كلها تدرج ضمن خانة التناقضات التي تحرج المغرب، ولم يخف أنّ الشعب الصحراوي بالأراضي المحتلة متمسك بالاستقلال حتى النخاع.
وتوقع الأستاذ دبش أنّ إسبانيا ستخسر أوراقا عديدة في إفريقيا، على اعتبار أنّ القارة السمراء عقدت عدة صفقات مع الإتحاد الأوروبي، وفضلا عن ذلك هناك هيئة تم استحداثها مؤخرا بالإتحاد الإفريقي وتضم أربعة دول ويتعلق الأمر بالجزائر وجنوب إفريقيا وأثيوبيا ونيجيريا.
وحاول البروفيسور إبراز التناقض والخطأ الكبير الذي وقع فيه كل من المغرب وإسبانيا، لأنّ الحكم الذاتي الذي يروّج له بشكل مبيت لا علاقة له بما يجري مع مبعوث الأمم المتحدة وما يجري بالأمم المتحدة، ولأنّ موافقة مجلس الأمن بإرسال مبعوث أممي للصحراء الغربية لتنظيم استفتاء شعبي، بهدف تقرير المصير يفنّد ويسقط أمنية الحكم الذاتي التي يلوّح بها المغرب الذي مازال يعتقد أنه بإمكان الكيان الصهيوني وأمريكا وأوروبا تحديد القرار، ونسي مواقف دول أخرى مؤثرة مثل روسيا التي سبق لها استقبال وفد صحراوي وتحدثت عن ضرورة الاستفتاء، إلى جانب الصين وجنوب إفريقيا ونيجيريا وما إلى غير ذلك، أيّ هناك 55 دولة إفريقية لا يمكن أن تقبل بتغيير الحدود كون الحدود الضامن الأساسي والحاسم في الطرح الدولي، علما أنّ الكلمة الأخيرة والحل النهائي سيعود للشعب الصحراوي.
رسالة فارغة شبيهة بتغريدة ترامب
من جهتها، أستاذة بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية البروفسور تسعديت مسيح الدين، أكدت أنّ القضية الصحراوية التي تعد مسألة تصفية استعمار مسجلة بالأمم المتحدة وتنتظر تجسيد حق تقرير المصير، وينظر إليها على أنّها من أهم القضايا سواء تعلق بأمن المنطقة أو الأمن الدولي، وتتطلب طبقا للقوانين تنفيذ الشرعية الدولية، لأنّ الجزائر ليست طرفا في النزاع بل انطلاقا من مبادئها الثابتة لإنصاف الشعوب المحتلة تقف إلى جانب الطرف المظلوم ويتعلق الأمر بالشعب الصحراوي المكافح.
ومن الدوافع التي سلطت عليها الضوء البروفيسور الحرب الروسية الأوكرانية التي فرضت ضغوطا سياسية واقتصادية على حد تقديرها، غير أنّها قالت إنّ إسبانيا لو فكرت قليلا لوجدت أنّ مصلحتها الاقتصادية مع الجزائر لأنّها أكبر مموّن بالغاز، وترى الأستاذة بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية، أنّ ورقة الهجرة غير الشرعية قايضت بها الرباط نظيرتها مدريد، لتكبح تدفق المهاجرين غير الشرعيين، وتظن أنّ المغرب اختار الوقت المناسب لعقد هذه الصفقة المشبوهة.
بالإضافة إلى أنّ التحوّل المفاجئ الإسباني جاء بدافع عدم فسح المجال لإجراء الاستفتاء وتقرير مصير سبتة ومليلة، لكن في الحقيقة إذا نظم هذا الاستفتاء بالمنطقتين سيفضل السكان البقاء مع إسبانيا ورفض الانضمام إلى المغرب.
وبالموازاة مع ذلك، قالت البروفيسور مسيح الدين إنّ إسبانيا اليوم تمثل الدول الغربية وتحاول الضغط نيابة عنهم، لكن صار اتفاق مدريد بمثابة الخيانة بعد إبرامه مع ثلاثة أطراف، لأنّه تم تجاهل الطرف الثالث ويتعلق الأمر بالشعب الصحراوي.
وتحدثت عن الثوابت الجزائرية التي تدعم الشرعية الدولية بخلاف طبيعة الشخصية المغربية التي تميل نحو تسبيق مصلحتها ولا غرابة أنّ المغرب يقوم بهذه الصفقة بهدف تحويل الرأي العام.
وتطرقت إلى المظاهرات الأخيرة التي عمّت إسبانيا حيث تم التنديد من خلالها بالموقف الجديد والمناور لإسبانيا، لأنّ ذلك يعني أنّها ستكون رهينة ضغوط من طرف المناوئين عن الموقف الجديد المخزي والذي عبر عنه برسالة وصرح به الديوان الملكي المغربي وليس تصريحا لمبعوث أممي أو تمت إثارته في قمة أو في إطار دبلوماسي.
وذهبت البروفيسور مسيح الدين، إلى أبعد من ذلك عندما أكدت أنّ هذه الرسالة قد تكون شبيهة بتغريدة ترامب لا وزن لها وعديمة التأثير، بينما الموقف الجزائري ليسا رابحا أو خاسرا، لأنّ الشعب الصحراوي مستعمر وجميع القوانين تكفل له حق تقرير المصير، ومستقبلا قد تظهر إسبانيا وحيدة في موقفها.
الجزائر الأكثر تأثيرا في المنطقة
بينما ترى أستاذة بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر3 البروفسور أمينة رباحي، أنّ إسبانيا انحازت نحو المغرب بسبب أنّ الرباط تنازل عن سبتة ومليلة لإسبانيا.
ولأنّ هذه الأخيرة ليست لديها وثائق عن المنطقتين، ووصفت المغرب في هذا المقام بالغبي، لأنّه تنازل عن أرض يحوز فيها على وثائق، وبعيدا عن ذلك يبحث عن سرقة أرض ليس له فيها أيّ حق ولا وثائق.
واعترفت الأستاذة أنّ معاهدة مدريد كانت متوازنة وإسبانيا، كان ينظر إليها أنّها تحرج بمواقفها فرنسا، وفوق ذلك لديها كل الوثائق عن الصحراء الغربية.
غير أنّه في خضم كل هذه المستجدات قالت البروفيسور رباحي أنّ الجزائر مازالت بيدها ورقة ضغط حقيقية والمتمثلة في الطاقة والأزمة الأوكرانية جعلت من الجزائر البلد الآمن للتمويل بالطاقة، بهدف عودة إسبانيا من موقف اللاعقلانية الذي تحاول فيه بيع شعب كامل وتتجاهل نضالاته الطويلة والمستميتة.
واستدركت الأستاذة القول موضحة أنّ الموقف الإسباني الأخير لن يغير عن مسار وعدالة القضية الصحراوية في ظل وجود دول عديدة بالعالم تطالب بتقرير المصير والاستقلال لوقف أطماع المحتل.
ووقفت البروفيسور رباحي على حقيقة أنّ المحكمة الأوروبية أصدرت قرارا يمنع استغلال الثروات الصحراوية الصيدية والباطنية من فوسفات، وتناولت مسألة أنّ العمل العسكري بالنسبة للمغرب مكلف جدّا ويخدمه حلّ النزاع.
وبخصوص الحرب الروسية الأوكرانية وصفت الجزائر باللاعب رقم واحد بالمنطقة لأنّها الأكثر تأثيرا ولا تتأثر بأيّ ضغوطات وتساند القضيتين الصحراوية والفلسطينية، لذا يحرصون على تلقيها ضربة عبر ضغوطات أمريكية من خلال إسبانيا ومنع الجزائر لتصبح قوة إقليمية.
وقالت البروفيسور إنّ الحرب الروسية الأوكرانية تعد حربا طاقوية والمستفيد من ارتفاع أسعار الطاقة بالدرجة الأولى ذكر أمريكا ثم روسيا، بينما أوروبا الأفقر طاقويا وتكون تابعة إما لقارة آسيا أو إفريقيا، التي تبقى الطريق الآمن للتموين أيّ من خلال الجزائر.
فيما استعرض أستاذ بالمركز الجامعي مرسلي عبد الله بتيبازة الدكتور فؤاد حطاب تحليلا قانونيا في سياق تسارع الأحداث الجارية، وأشار إلى أنّ الموقف الإسباني تغير من دون سابق إنذار، كونه يصبّ بعد محاولات طيلة سنوات عديدة لإقحام الجزائر كطرف في هذا النزاع، بالرغم من أنّ جميع قرارات الأمم المتحدة تؤكد أنها ليست طرفا، علما أنه دوما في الخطاب المغربي يحاول جر الجزائر وتصويرها على أنّها طرفا بالنزاع.
غير أنّ المغرب سرعان ما اصطدم بصخرة الأمم المتحدة، لكنّ الجزائر لا يتعدى دورها مساندة الشعوب المحتلة التي تنتفض ضد الاستعمار، وبدوره يعتقد أنّ الأزمة الأوكرانية من عجلت بالتحوّل في الموقف الإسباني. وفوق كل ذلك ذكر الدكتور حطاب أنّ محكمة العدل الأوروبية أصدرت قرارات حثت الشعوب على حماية ثرواتها.