الاتّجار بالبشر و»الحرقة» وجهان لعملة واحدة

الجزائر لن تقبل بـأن تكـون «دركـيَّ» أوروبــا

فتيحة كلواز

 هناك مخططات لإغراق البلاد بالمهاجرين السريين

ربط رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان بوزيد لزهاري، عند نزوله ضيفا على «الشعب»، بين ظاهرة الاتجار بالبشر التي تقف وراءها شبكات ومنظمات دولية لاستغلال الأطفال والنساء والرجال في مختلف أعمالهم الإجرامية، كتجارة المخدرات، الأسلحة والدعارة، وتنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي ساهمت في ارتفاعها، خاصة وأن الهاربين من دولهم غالبا ما يسقطون ضحايا تلك التنظيمات.
أوضح لزهاري، أن الجزائر ملتزمة بالاتفاقيات الدولية وتبذل جهودا كبيرة للحد من ظاهرة الاتجار بالبشر وكذا الهجرة السرية، رافضا تأدية الجزائر دور الدركي لمنع وصول المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، فالواجب انخراط الدول الغربية في إيجاد الحلول، لأنها أحد الأسباب المهمة لتناميها. كاشفا في نفس الإطار، عن وجود مخططات لإغراق الجزائر بهم للضغط عليها والتلويح بـ «ورقة» حقوق الإنسان ضدها، بالرغم من التعامل الإنساني للسلطات الجزائرية مع هذا النوع من المهاجرين.

الحروب والتغيرات المناخية أهم الأسباب
أكد بوزيد لزهاري، أن الاتجار بالبشر ظاهرة غريبة ودخيلة على المجتمع الجزائري، ارتفعت بشكل لافت بعد تنامي الهجرة السرية. فهناك جماعات منظمة تستغل بؤس وفقر هذه الفئات الهاربة من بلدانها الأصلية، بسبب الحروب والتغيرات المناخية، ما يجعل من الجزائر تدفع ثمن سياسات دول غربية انخرطت في مختلف النزاعات كدول الساحل في إفريقيا، بالإضافة الى كونها المتسبب الأول في الانبعاثات الغازية المتسببة في التغييرات المناخية التي كانت آثارها جسيمة على مختلف نواحي الحياة في تلك البلدان.
وأشار ضيف «الشعب»، إلى وجود جماعات إجرامية منظمة تشكل شبكات دولية تعمل على استغلال النساء في الدعارة والأطفال في التسول والرجال في أعمال أخرى، معتبرا الاتجار بالبشر أقل خطورة من تجارة المخدرات، الأسلحة وتبييض الأموال حسب دراسات ميدانية.
في نفس الوقت، كشف لزهاري أن الجزائر تبذل جهودا كبيرة لمحاربة الظاهرة، خاصة مع توفر إرادة سياسية قوية لمقاومة ومكافحة هذه العصابات والشبكات الدولية للاتجار بالبشر، حيث تلقت القوات الأمنية وحراس الحدود تكوينا خاصا لمتابعة تلك التنظيمات الإجرامية، وليس الأشخاص الهاربين من البؤس والفقر الذين يقعون تحت طائلة الاستغلال الوحشي واللاّإنساني، ما يجعلهم ضحايا هذه الشبكات الدولية للاتجار بالبشر، وهو ما استدعى تدريب القوات الأمنية وحراس الحدود على اكتشاف القائمين أو المسؤولين الحقيقيين على استغلال تسول الأطفال ودعارة النساء والرجال كوسيلة لأعمالهم الإجرامية، وتقديمهم الى العدالة.

إرادة سياسية قوية
عن تقرير الخارجية الأمريكية الخاص بمحاربة الاتجار بالبشر، الذي وضع الجزائر في خانة الدول الأقل حرصًا على محاربة الاتجار بالبشر، شهر جويلية الماضي، قال لزهاري إن الإرادة السياسية موجودة في الجزائر لمحاربة هذه الظاهرة الدخيلة والتي فرضتها المعطيات الجيوسياسية في المنطقة، حيث تعمل على تدريب القوات الأمنية وحراس الحدود في هذا المجال وإمدادها بكل المعايير الدولية في كيفية التعامل مع هؤلاء الأشخاص، بالإضافة الى رفع الوعي.
وقال المتحدث، إنه لا يعتبر الظاهرة مشكلة كبيرة مقارنة بالهجرة غير الشرعية أين نجد قوافل من نساء وأطفال من دول الساحل كمالي والنيجر تدخل التراب الوطني بطريقة سرية، مشيرا إلى وجود 46 جنسية إفريقية بنسب مختلفة في ولاية تمنراست وحدها، مؤكدا في السياق نفسه تعامل الجزائر الإنساني معهم، بالرغم من دخولهم بطريقة غير شرعية إليها، حيث تعمل السلطات على إعادتهم إلى موطنهم الأصلي، حسب ما تقتضيه اتفاقيات إعادة التوطين إلى بلدانهم وتقديم المساعدات لهم.
وأوضح رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان في ذات الإطار، ضرورة تدخل مختلف الدول من أجل تقديم المساعدات والدعم للدول التي تعرف هجرة مواطنيها بطرق سرية وغير شرعية لإطلاق عجلة التنمية فيها، على اعتبار أنها أنسب الحلول لتثبيتهم وبقائهم فيها، من خلال استحداث فرص العمل والشغل، بما يساهم في تحسين ظروف معيشتهم وجودة الحياة فيها.
حيث «ترى الجزائر أن الحل الجذري لهذه الظاهرة هو معالجة الأسباب». معتبرا لزهاري استتباب الأمن في الساحل ومحاربة الإرهاب أهمها، الى جانب مساعدة الدول الغنية للدول الفقيرة من اجل إطلاق مشاريع اقتصادية للتنمية ما يجعلها ذات حركية اقتصادية مستقطبة أحد أهم الحلول للحد من الهجرة السرية.
في نفس الصدد، قال لزهاري بوجود إمكانية تسوية وضعية بعض المهاجرين غير الشرعيين في الجزائر من خلال توظيفهم كيد عاملة في مختلف المجالات كقطاع البناء والأشغال العمومية والفلاحة بعقود محددة، فقد أثبتت الدراسات الميدانية إمكانية الاستفادة من هذه الفئة في المجال الاقتصادي لحمايتهم وغلق الباب أمام استغلالهم من طرف شبكات إجرامية دولية متخصصة في الاتجار بالبشر والمخدرات والدعارة والأسلحة.
ونوه في الوقت نفسه، بالجهود المبذولة من طرف الجزائر، خاصة على مستوى وزارة الداخلية والجماعات المحلية، حيث تبنى المشرع الجزائري استراتيجية وطنية من أجل مكافحة جريمة الاتجار بالبشر من خلال تكريس مجموعة من الآليات الوطنية الكفيلة بمحاربة وقمع هذه الجريمة المنظمة العابرة للحدود، من خلال تكريس آليات تشريعية تتمثل في المصادقة على الاتفاقيات الدولية الخاصة بهذه الجريمة.
بالإضافة إلى تجريمها، إلى جانب استحداث آلية مؤسساتية بموجب أحكام المرسوم الرئاسي 16-249، تتمثل في إنشاء لجنة وطنية للوقاية من الاتجار بالبشر ومكافحتها، تعمل كمرجعية استشارية للسلطات والهيئات الوطنية وتضطلع بصياغة خطة عمل وطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص وحماية الضحايا.
أما فيما يتعلق بالأفارقة المتسولين الذين ينتشرون في مختلف المدن الجزائرية، صرح لزهاري أنه بالرغم من ترحيلهم في فترة معينة، حيث وقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان على ظروف ترحيلهم التي وصفها بالجيدة والمنظمة، إلا أن الظاهرة عادت بقوة في الأشهر الأخيرة، وهو ما يعكس – بحسبه- العمل المتواصل والمستمر لتلك الشبكات الإجرامية التي تستغل الأفارقة الفارين من بلدانهم في التسول ومجالات أخرى.
في المقابل، أشاد بالعمل الدؤوب لمصالح الأمن من أجل الحد من الظاهرة. مؤكدا في سياق متصل، أن الظاهرة عالمية وليست خاصة بالجزائر فقط، في الوقت نفسه عبّر عن رفضه القاطع لأن تكون الجزائر» دركي» أوروبا في إفريقيا لمنع وصول المهاجرين غير الشرعيين إليها، فالواجب على القارة العجوز الانخراط في عملية إيجاد الحلول، لأنها أحد الأسباب المهمة في تناميها.

معاملة إنسانية لوضع لاإنساني
نفى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن تقف صفة «مهاجر غير شرعي» حائلا أمام تقديم الجزائر كل المساعدات الممكنة للمهاجرين السريين.
ففي ولاية تمنراست مثلا، ما يقارب من 37٪ من الخدمات الصحية المقدمة من طرف القطاع العام توجه لهؤلاء المهاجرين غير الشرعيين، لأن المعاملة الإنسانية أولوية بالنسبة للجزائر.
 في الإطار نفسه، أكد المتحدث أن الجزائر ضد أي خطاب كراهية ضدهم، لأنهم إخوان يعيشون وضعية صعبة، لذلك تحاول تقبلهم وإيجاد الحلول لإخراجهم من حالة «اللاّشرعية» في إطار إعادة التوطين الى بلدانهم، وإعادة تنظيم وضعيات بعضهم ممن يحتاجهم الاقتصاد الوطني، بالإضافة الى القضاء على الأسباب المؤدية الى تنامي هذه الظاهرة.
وكشف وقوف مخططات إجرامية وراء الظاهرة، تسعى الى إغراق الجزائر بهذا النوع من المهاجرين، لتحويلها الى ورقة ضغط عليها من خلال التباكي على خرق حقوق الإنسان في الجزائر، في محاولة يائسة لإسقاطها، متناسين أن الجزائر ملتزمة بالاتفاقيات الدولية في أن تحترم كل البشر، مهما كانت وضعيتهم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024