تحدّث رئيس نقابات ناشري الإعلام رياض هويلي، عن واقع أليم تعيشه الصحافة الجزائرية اليوم بكل ألوانها وأطيافها، حيث باتت تتخبط في محيط لم يعد يقوى على مجابهة التحديات الاقتصادية الراهنة، التي تتطلب تغيير طريقة تحصيل مواردها المالية التي لا تزال تعتمد على وكالة النشر والإشهار “أناب”، في حين أن “الآلة الإعلامية”، باتت تتطلب تحصيل الكثير من الأموال والمصاريف، والإمكانيات من الوسائل التقنية، ومن أدوات الانتشار، فضلا عن طاقم بشري يحظى بجميع حقوقه.
فتحت، أمس، جريدة “الشّعب” بمقرها الكائن بشارع الشهداء بالجزائر العاصمة، من خلال منتداها النقاش حول موضوع “اقتصاد الإعلام”، من تنشيط رياض هويلي رئيس نقابة ناشري الإعلام، الذي حذر من استمرار الوضع الإعلامي على ما هو عليه في الجزائر، داعيا إلى ضرورة إيجاد حلول في آفاق غير بعيدة لمعضلة الإعلام الجزائري، بداية من إنشاء مؤسسات قوية قادرة على مواجهة التحديات الداخلية الاقتصادية منها خاصة، والدولية، على ضوء غياب تام لصناعة حقيقية في هذا المجال.
عناوين فقط.. وليس مؤسسات
قال هويلي إنّ “الإعلام اليوم أصبح آلة حقيقية، وباتت صناعة الخبر تمرّ عبر مراحل عديدة، هذه المراحل تتطلب الكثير من الأموال والمصاريف من الطاقم البشري، من الإمكانيات من الوسائل التقنية من أدوات الانتشار، ما يحيلنا اليوم للحديث عن صناعة كاملة لوسائل الإعلام”.
وتساءل النقابي حول إشكالية صناعة الإعلام في الجزائر، من خلال مراحل بداية من الإنتاج، والتوزيع أو الاستهلاك أو حتى إدارة المؤسسة الإعلامية، مبرزا أن الساحة الإعلامية ومنذ تسعينيات القرن الماضي، عهد الانفتاح السياسي والإعلامي وباستثناء مؤسسة أو اثنين، لم تستطع إنشاء مؤسسة إعلامية بمفهومها الكامل، وكل ما هنالك أننا نملك اليوم عناوين إعلامية. وتطرق ضيف “ منتدى الشعب”، إلى نقطة هامة قال إنها باتت الحلقة المفقودة اليوم في الساحة الإعلامية، تتمحور حول إشكالية فرضتها التطورات داخل غرف الأخبار التي أدرك الكثير منها أنّ ثمة حاجة ملحة إلى تغيير أساليب العمل، وصولا إلى تلبية الطلب لنوع جديد من المحتوى ولجمهور ومستهلك جديد أصبح يستقبل الأخبار والمواضيع الصحفية بطريقة جديدة، ليبقى التساؤل ــ في منظوره ــ قائما حول “من يؤطر، من يمول من يقود، ومن يشرف على الجرائد” ؟.
التسيير أصبح مرتبطا بالدورة الاقتصادية
وأشار هويلي إلى تسيير المؤسسة الإعلامية، الذي “ أصبح مربوطا بالدورة الاقتصادية في المجتمع، في وقت انكمش دور المؤسسات الاقتصادية الكبرى التي كانت، خلال السنوات الأخيرة، تتدخل في مجال الإعلام، وهذا ما انعكس على سوق الإعلانات، ودخلنا اليوم في دوامة صعبة، في أزمة إعلامية ومالية تعرفها أغلب المؤسسات “.
وبناء على تقارير ومعلومات تحوزها النقابة، كشف هويلي أنّ 90 بالمائة من المؤسسات الإعلامية أصبحت غير قادرة على دفع رواتب الصحفيين والعمال وعاجزة عن دفع مستحقات مؤسسات الدولة، ضف إلى وجود نزاعات كبيرة بين المؤسسات الإعلامية والمطابع، فضلا عن عدم دفع مستحقات كراء المقرات بدار الصحافة.
واغتنم هويلي الفرصة، ليدعو لفتح دراسات معمقة حول موضوع اقتصاديات الإعلام، خاصة على ضوء الظروف الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، حيث لم يعد الإعلام مجرد صناعة خبر فقط أو مجرد خبر ينشر أو يبث في وسيلة إعلامية، سواء كانت موقعا أو جريدة أو تلفزيون أو إذاعة، مبرزا أنه “وفي كل التجارب الدولية تقف من وراء المؤسسات الإعلامية كيانات كدول أو كيانات إيديولوجية أو مؤسسات كبرى، لأن المؤسسات الإعلامية في الغالب هي مؤسسات غير ربحية لابد من وجود من يدعمها “.
وشدّد هويلي على أن هذه المعادلة غير موجودة في الجزائر، حيث أن “صحفي بسيط “ يصبح صاحب مؤسسة إعلامية أو عنوان إعلامي، ما جعل المهنة تفتقر إلى أصول العمل الإعلامي، وهو ما يفسّر تدحرج ألوان إعلامية كانت سائدة فيما سبق، على سبيل التحقيق الصحفي الغائب تماما في جلّ المؤسسات الإعلامية، وأزمة ألأكسجين التي عاشتها الجزائر خلال المرحلة الثالثة من اجتياح فيروس كورونا للبلاد خير دليل على ذلك. ويعود الأمر في ــ منظور هويلي ــ إلى غياب مؤسسات إعلامية قادرة على ذلك، سواء من ناحية الطاقم البشري أو المادي، ما جعل الأمر يقف حاجزا أمام العمل الميداني الحقيقي الغزير والعميق. وهو ما يجعلنا نقول ــ يضيف النقابي ذاته ــ إننا أمام إفلاس مالي للمؤسسات الإعلامية، ولابد من طرح السؤال التالي، ماذا يجب أن نفعل في هذا الظرف؟، في وقت الإشهار المؤسساتي العمومي ضعيف ولا يستطيع تلبية الطلب الموجود، وباتت موارد التمويل مشكلة كل وسائل الإعلام.
ليضيف قائلا إنّ “المشهد اليوم أصبح يتلخص في أننا أصبحنا نشرف على عنوان وننتظر دعم الدولة، من خلال وكالة النشر والإشهار “أناب”، وهنا وقعنا في إشكالية أخرى، فكوطة معينة من إشهار لتسيير مؤسسة إعلامية غير كاف، لأن إدارة المؤسسة الإعلامية، من إنتاج الخبر إلى الاستهلاك إلى التوزيع إلى المرتجعات إلى العلاقة مع المؤسسات، سواء المطبعة أو الضمان الاجتماعي وغيرها، يتطلب تكاليف عالية لا يمكن تغطيتها بكوطة صغيرة من أناب”.
مواجهة الحرب على الجزائر
وفي موضوع آخر، وحول الهجمة التي تتعرض لها الجزائر خارجيا، أكد رئيس نقابة ناشري الإعلام أن “البلد بحاجة إلى مؤسسات إعلامية قوية، ترد حربا حقيقية على الجزائر، التي تتعرض لهجمة إعلامية، شرسة، في إطار هجمة إعلامية، قد تمهد لشيء آخر وتسبق مخططا دوليا هدفه تحييد الكثير من الدول، التي كانت أو التي لا تزال تقاوم مخطط الشرق الأوسط الجديد، دول ترفض التطبيع، دول تحاول أن تحافظ على سيادتها، حيث باتت اليوم مستهدفة، علما أن الجزائر اليوم البلد العربي الوحيد واقفا في محيطنا الإقليمي”.
ودعا هويلي إلى ضرورة التحلي باليقظة الإعلامية للرد على مثل هذه الحروب، وهذا لن يتأتى إلا بمنظومة إعلامية قوية، منظومة وطنية جزائرية تدافع عن السيادة الوطنية وترافع عن مقومات الدولة، ووحدة الشعب الجزائري، في إطار التعدد والثقافة الوطنية الثرية جدا، وهي مهمة كبيرة تحتاج إلى منظومة قوية وتفكير جدي في مؤسسات جديدة، منها اندماج العديد من المؤسسات الإعلامية في مؤسسة كبيرة تكون متقاربة مع الخط التحريري، وهذا هو التحدي الذي يجب أن نرفعه لمواجهة النكسة التي نعيشها، لحد الآن.
الإفلاس مصير مؤسسات إعلامية
90 % من وسائل الإعلام غير قادرة على دفع الرواتب
هيام لعيون
شوهد:780 مرة