صنع النوابغ «التميّز» في المدرسة الجزائرية، التي تواجه عدة انتقادات واتهامات كثيرة بعدم قدرة مناهجها على تخريج كفاءات وإطارات مستقبلية ذات مستوى تكويني عالي، وفكر تقدمي وتطويري يساهم في نهضة الأمة والرقي بها، ولكن في نظر النقابي بن سعيد بن ميرة الاهتمام بهذه الفئة ليس كما ينبغي، فهو يقتصر على حفلات إعلان النتائج الدراسية النهائية وينقطع بعدها، كما أن النشاطات المساعدة على تطويرهم موجودة «على الورق» فقط مثلما قال وهو ما يحتاج إلى اهتمام وإرادة سياسية للأخذ بيدهم وزيادة عددهم.
وضعت السلطات العمومية المدرسة الجزائرية، ضمن المؤسسات المعنية برفع التحديات الداخلية والخارجية من أجل مواجهتها، وحددت رزمة من الإصلاحات تشمل عدة محاور من بينها البيداغوجيا، ورد الاعتبار لعدة تخصصات تمكن التلميذ من اكتساب الكفاءات والمهارات القابلة للنقل، خاصة وأن المؤشرات، في السنوات الأخيرة، تشير إلى ارتفاع عدد النوابغ سواء في الامتحانات الرسمية لجميع الأطوار التعليمية، أو في المسابقات الدولية الخاصة بعالم الابتكار، والحساب الذهني والرياضيات، وهي نتائج هامة يجب الاستثمار فيها خاصة وأن برنامج الرئيس يركز على تبني نمط اقتصادي متطور قوامه المعرفة والابتكار، والمدرسة مؤسسة قاعدية تقوم عليها جميع المؤسسات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية التي يلعب التعليم فيها دورا هاما في نشر العلم والمعرفة وتطوير المجتمع، وتحقيق الآمال والأهداف المسطرة في البرامج والسياسات التنموية.
ويولي رئيس الجمهورية العناية بالنخب المدرسية من أجل التكفل بها وتشجيع المتألقين والمتميزين خاصة في العلوم والرياضيات التي قال بشأنها أنها «تبني الدول وتتقدم»، وظهر اهتمامه جليا بهذه الفئة عند تكريمه لمتفوقات الجزائر في الحساب الذهني ريتاج سجود رحاحلة صاحبة 11 سنة التي احتلت المرتبة الأولى في البطولة العالمية التي جرت فعاليتها بتايوان عبر الانترنت، وأنفال عدالة هبة الرحمن وملاك آية اللتين كانتا من بين العشر الأوائل في نفس المسابقة، وقد تم إصدار مؤخرا مرسومين تنفيذيين في هذا الشأن يتعلق الأول بإنشاء مدرسة وطنية عليا للرياضيات والثاني بإنشاء مدرسة وطنية عليا للذكاء الاصطناعي.
التفوق يصنع التميز
يرجع الأمين العام للنقابة المستقلة لأستاذة التعليم المتوسط بن سعيد بن ميرة، تفوق تلاميذ الجزائر فرديا في مسارهم الدراسي أو في مسابقات دولية وفشل آخرين بالرغم من مزاولة التعليم في مدارس واحدة، إلى الفروقات الفردية التي قال إنه «يجب أن نؤمن بها»، موضحا أن تقييم التلميذ يخضع إلى شبكة استدلالية، فيها نقطتين خاصة بالفروقات الفردية أو ما يصطلح عليه تسميته التميز، وذكر أنه «يوجد تلميذ يقدم إجابة مبهرة تجعل الأستاذ يمنحه العلامة كاملة ويوجد من يعرف الإجابة ولكن لا يحسن صياغتها لأن التميز لا يتوفر لديه».
وشدّد بن ميرة على ضرورة التكفل بالنوابغ، وألا يكون الاهتمام بهم مناسباتيا وقال «نسمع خلال إعلان نتائج الامتحانات الرسمية كل عام بوجود 6 أو 7 نوابغ في البكالوريا ولكن ننساهم، ويوجد من يوجهون إلى تخصصات لا يفلحون فيها لأنهم لا يملكون الإمكانيات، لذلك يجب التكفل بهم».
وسجل بن ميرة اختلاف الفروقات من جيل إلى جيل، وهو ما يفسر مثلما ذكر «بروز خصوصية الفوارق الفردية في السنوات الأخيرة بين تلاميذ مختلف الأطوار التعليمية، وتحقيق نتائج عالية بتقدير جيد و تقدير»، معتبرا هذا التميز «شرف» للأستاذ، بالرغم من الأزمة الصحية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا المستجد والمتحور، وزيادة عدد ساعات العمل والقدرة الشرائية الضعيفة ولكنه استطاع تخريج فروقات فردية وهذا مكسب كبير للأستاذ، ولو أن التكريم يذهب للمدير ومدير التربية ولا يشمله، وهذه حقيقة مرة كما قال.
ولكن ما يعاب على المدرسة العمومية يقول بن ميرة «إبقاء النشاطات العلمية حبرا على ورق»، عكس ما نراه في المدارس الخاصة و النوادي العلمية التي فتحت أبوابها لاستقبال تلاميذ من مختلف الأطوار لتطوير مهاراتهم و تفكيرهم خاصة في مجال العلوم و الرياضيات، وحظي حساب «السوربان» بإهتمام الأولياء لما يوفره من بيئة مناسبة لتفجير طاقات أبناءهم وإبراز عبقريتهم التي نافست أقرانهم في دول أكثر قوة وتقدما وتفوقت عليهم.
ويرى بن ميرة قضية التفويج، عاملا مساعدا يمكن أن يجعل التلميذ يبدع في مجالات أخرى، مشيرا إلى أن اهتمام وزير التربية السابق بمادة الرياضيات وفتحه عدة مجالات فيها، أدى إلى بروز نوابغ في هذا التخصص، و في رأيه التكفل بنوابغ المدرسة الجزائرية «قضية اهتمام وإرادة سياسية».