أعاد انتشار فيروس «كوفيد-19» خلال الأسابيع الأخيرة إلى الأذهان، الفترة العصيبة التي عرفتها ولاية البليدة التي كانت أول بؤرة له لما بدأ ينتشر في الجزائر في مارس 2020، غير أنّ الموجة الثالثة لهذا الوباء تبدو مقلقة وسيكون لها آثار وخيمة.
ارتفع عدد الأشخاص المصابين بوباء كورونا في ولاية البليدة منذ منتصف شهر ماي الماضي، ليتجاوز الـ 400، بل امتلأت كل المصالح المخصصة لاستقبال مرضى
«كوفيد-19» ممّا جعل الأطباء يدقون ناقوس الخطر، ويحذّرون من العودة إلى نقطة الصفر بعد جهود كبيرة قامت بها الدولة لمجابهة الوباء.
مستشفى «الفابور» كلّه للمصابين بالوباء
بعد أشهر من الاستقرار الوبائي منذ تخفيف الحجر الصحي في شهر سبتمبر الماضي، الذي أعاد الحياة إلى حالتها الطبيعية تدريجيا، تحوّلت المؤسسة الاستشفائية براهيم تريشين بشكل اضطراري إلى مستشفى خاص بمرضى كورونا، في مشهد شبيه تماما بفترة الحجر الصحي الكامل الذي عرفته مدينة الورود مع بداية السنة الماضية.
وضعت المصالح الصحية للولاية هذا المستشفى المعروف بـ «الفابور» بمثابة مصلحة مركزية تتولى التنسيق مع بقية المرافق الصحية الأخرى لاستقبال المصابين بالوباء والعناية الطبية بهم إلى حين شفائهم وعودتهم إلى ذويهم.
إعفاء الوحدات الجوارية من الحالات المستعصية
لعل ما يؤكّد بأنّ الحالة الوبائية باتت مقلقة في البليدة، هو أن المؤسسة الاستشفائية بأولاد يعيش المحاذية لمسجد الحياة أصبحت ممتلئة عن آخرها بمرضى الوباء منذ قرابة شهر، مع العلم أن هذه الوحدة تم تخصيصها في وقت سابق لعلاج مرضى « كوفيد-19» ضمن الإجراءات التي قامت بها المصالح الصحية لمكافحة الفيروس اللعين.
غير أنّ هذه المؤسّسات الصحية كالتي تقع بحي 19 جوان وفي بلدية بوفاريك لا تستقبل إلا الحالات البسيطة للمصابين، وذلك لعدم حيازتها على المعدات الطبية الكافية وقلة خبرة السلك الطبي لديها، لذا يتم إعفاؤها من الحالات المستعصية التي يتم معالجتها بالمستشفيات الكبيرة مثل «الفابور» و»فرانتز فانون».
السّلالة المتحوّرة تطال كل الفئات العمرية
اللاّفت في الفترة الأخيرة، أنّ هناك شباب لا يتجاوز عمرهم 40 سنة تعرّضوا للوباء، ومنهم من توفي بسببه، ممّا يؤكّد خطورة السلالة المتحورة لفيروس كورونا، بحسب ما صرحت به لنا طبيبة في أولاد يعيش، والتي أكدت بأنه طال كل الفئات العمرية ولم يستثن أحدا هذه المرة، وأنه لن يضر فقط بأصحاب الأمراض المزمنة فحسب بل يُشكّل خطرا على هؤلاء الذين يعتبرون بأنهم يمتعون بصحة جيدة.
وفي وقت يقوم الباحثون بتطوير اللقاح ضد هذا الفيروس، فإن بعض كبار السن شُفيوا منه حتى هؤلاء الذين تدهورت حالتهم الصحية، وعلى النقيض أودى بوفاة شبان في مقتبل العمر، مما يطرح تساؤلات فيما يخص الحصانة المناعية كل فئة عمرية، وهل أصبح من الضروري أن نقدم اللقاح لجميع الفئات بعدما قرّرت السلطات في وقت سابق تلقيح كبار السن الذين يتجاوز سنهم الـ 65 سنة، وأصحاب الأمراض المزمنة كأولوية.
مؤسّسات خاصّة تنافس المستشفيات
لأنّ الهمّة تولد العزيمة، تقوم بعض الشركات المتخصصة في تسويق الأجهزة والمُعدات الطبية بمنافسة المستشفيات في علاج المصابين بالوباء، حيث تقول موظفة بهذه الشركة:
«صرنا نقدّم خدمة لمكافحة الوباء أكثر من المستشفيات..المواطنون يتصلون بنا يوميا لإسعافهم».
وتقوم هذه الشركة بإيجار الجهاز الذي يمنح الأكسجين للمرضى بمبلغ 1500 دينار لمدة أسبوعين، و3 ملايين سنتيم لمدة شهر، ولديها أجهزة أخرى تقوم باستئجارها لعلاج المرضى الذين يتعذر عليهم إيجاد سرير في المستشفيات أو الذين يفضلون تلقي العلاج بمنازلهم. وتقدّم مؤسسات خاصة أخرى خدمات صحية لفائدة المرضى على غرار مؤسسة الدكتور «لكحل» المتخصّصة في الأشعة وعيادة «أمينة» بالشفة، حتى يتعرّف الشّخص المريض على نسبة إصابته بالوباء.
دعوة المواطنين إلى توخّي الحذر وأخذ اللّقاح
في اتّصال هاتفي مع طبيب مختص يُزاول نشاطه في مستشفى «فرانتز فانون» تعذّر علينا لقاءه، أوضح لنا بأنّ الإصابات الأخيرة بالوباء أكّدت بأنّها من السّلالة المتحوّرة لفيروس «كوفيد-19» دون أن يقدّم توضيحات أخرى.
ودعا مُحدّثنا المواطنين إلى ضرورة توخّي الحذر بالالتزام بإجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي، مع ضرورة استعمال الكمامات في الأماكن العمومية وتعقيم اليدين بصفة منتظمة، وأنّه لا خيار أمامهم إلا الخضوع للتلقيح، فالتّجربة أكّدت
أنّ الفئة التي تلقّت اللقاح لم تتأثّر كثيرا بالمرض فيما بعد، على حد قوله.