اعتبر الخبير في القانون الدستوري البروفيسور أحمد دخينيسة، الانتخابات التشريعية لـ12 جوان الماضي، رهانا كسبته الجزائر من أجل انتخابات نزيهة وشفافة، التي كرستهما المادة 200 من قانون الانتخابات. ما يفسر قبول مختلف التيارات السياسية النتائج المعلن عنها بإرجاعها إلى أسباب داخلية. أما التجاوزات فلا يمكن وضعها في خانة التزوير لتعلقها بأمور تنظيمية وتقنية.
أوضح أن الجزائر وبفضل الحرص على تحقيق الشرعية بإبعاد شبهة التزوير عن مؤسساتها، استطاعت الخروج من مستنقع الفساد طوال الفترة الممتدة من حراك 22 فيفري 2019، أين أحدث مجتمع بمختلف أطيافه قطيعة مع الممارسات السابقة.
تجاوزات بعيدة عن شبهة التزوير
أكد الخبير في القانون الدستوري البروفيسور أحمد دخينيسة، عند نزوله ضيفا على «الشعب»، أن رهان نزاهة وشفافية الاستحقاقات الانتخابية تحدٍّ استطاعت السلطة المعنية كسبه في المواعيد الثلاثة. ولاحظ أن المشاركين فيه لم يطعنوا في نتائجه البتة، لأن التجاوزات التي سجلتها بعض مكاتب التصويت، تقنية ولا تمس بنزاهة وشفافية العملية الانتخابية.
في مقارنة مع ما كان معروفا قبل حراك 22 فيفري 2019، قال دخينيسة إن التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات شكل طوال عشرين سنة صدمة حقيقية للمواطن، الذي وجد نفسه أمام انتخابات نتائجها محسوبة مسبقا. لذلك، كانت الشرعية المطلب الأهم بالنسبة للجميع، سواء كانوا مواطنين أو نظاما. وهو ما عبر عنه رئيس الجمهورية في قوله، إن الأهم هي الشرعية. فالمادة 200 من قانون الانتخابات، منعت أي شبهة تزوير، لأن الرهان الأكبر هو إحداث القطيعة مع المرحلة السابقة التي تميزت بفساد كبير.
في ذات السياق، يرى المتحدث أن العزوف عن المشاركة في المواعيد الانتخابية، سواء كان ذلك بالترشح أو التصويت، فهو سلوك عميق يحتاج إلى عمل كبير. وهو ما اعتبره نظرة واقعية واستراتيجية، تأتي بعدها انتخابات محلية، لنمر بعدها إلى التحالفات والتوافقات دون إقصاء لأي طرف، حتى وإن كان من بين مقاطعي الانتخابات التشريعية. فالمشرّع -بحسب البروفيسور- لا يقبل التلاعب بالمؤسسات، لأن الحلول ليست بسيطة وتبنى مع مرور الوقت.
ولاحظ ضيف «الشعب»، أن التجاوزات التي حدثت في التشريعيات لا يمكن إدخالها في خانة التزوير، لأنها تجاوزات تقنية، كالتي حصلت في ولايات مستغانم، المسيلة وميلة.
ومن بين أهم هذه التجاوزات، تسريب الأوراق، التي اعتبرها خيانة للأمانة، لأنها أعطتها أفضلية على حساب القوائم الأخرى. فيما ألغيت بعض الأصوات بسبب عدم وضع الإشارة داخل المربع بل أمام المترشح. وفي حالات أخرى تم التصويت بالقائمة دون وضع تأشيرة، ما تسبب في إلغاء عدد كبير من الأصوات، التي يراها تعبر عن إرادة المواطنين.
وكشف الخبير في القانون الدستوري، أنه كان من المفروض إثارة المشكل في أوانه، بطرح السؤال التالي: «هل نقبل التصويت داخل الخانة أو أمام المترشح»، حتى نتفادى إلغاء آلاف الأصوات، قد تتعدى نسبتها 25 بالمائة.
في الإطار نفسه، قال المتحدث إن كل ما يتعلق بتنظيم الانتخابات هي تجاوزات. فقد يظهر مثلا، أن مؤطر المكتب صهر أحد المترشحين، وهو ما يمنعه القانون، حيث ينص على «تُعلق قائمة المؤطرين ويمكن الطعن فيها» أمام السلطة المستقلة للانتخابات، فإذا لم تستجب فيمكن رفعها إلى القضاء.
لكن الذي حدث، أن عدم الاهتمام بالعملية، بسبب تعقيدها، جعل الحزب الذي يملك قائمة معينة لكنه في المقابل غير ملم بقواعد الانتخابات، لا ينتبه إلى هذه النقطة، وهو سبب حدوث تجاوزات. مؤكدا أن إلمام المواطنين والمترشحين بحقوقهم، يمنع الكثير من التجاوزات. لكنها في المقابل لا تمس بشفافية الانتخابات. ولاحظ في نفس الوقت، أن نجاح المترشحين مرتبط بتأطيرهم الجيد، وعدم تهاونهم في أي مرحلة من مراحل الانتخابات التشريعية.
في السياق ذاته، اعتبر دخينيسة القوائم الكثيرة أحد أسباب العزوف الانتخابي، بالنظر إلى تعقيد العملية الانتخابية بالنسبة للسلطة المستقلة للانتخابات، معتبرا القوائم الحرة مؤقتة ومتعلقة بمرحلة انتقالية، لأنها ترتبط بالأزمة التي تعيشها المؤسسة الحزبية في الجزائر.
وأوضح المتحدث، أننا اليوم أمام مجتمع جديد، التصويت فيه يكون سياسيا، أو أيديولوجيا أو حسب المترشح. لذلك، من الضروري توسعة دائرة القبول، لأن فلسفة القانون احترام إرادة المواطنين، والسلطة أمام تحدٍّ كبير، لأن مليون صوت ملغى أمر مهم، يستوجب من السلطة القيام بدراسة عميقة لمعرفة الأخطاء التي أفضت إليها. مؤكدا في نفس الوقت، على ضرورة تلقي مؤطري الانتخابات تكوينا شاملا، دون استثناء المناضلين، لأن السياسة نضال بالدرجة.
الخروج من مستنقع الفساد بات واضحا
في تقييمه للأشواط التي قطعتها الجزائر منذ حراك 22 فيفري 2019، قال أحمد دخينيسة إن الجزائر اليوم بصدد حركية جديدة بحاجة إلى تقوية. مؤكدا في نفس الوقت، خروجها من المستنقع جزئيا. فالحراك قطيعة نفسية ولن يكون ما بعد الحراك نفس ما كان قبله، فأثره طويل الأمد بسبب إحداثه لصدمة كبيرة وقفت في وجه العودة إلى ممارسات سابقة، لن تتكرر. فجزائر ما قبل الحراك المبارك، كانت مقبلة على تحكم طبقة معينة مرتبطة بالخارج بمصير الجزائر الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي. لذلك، شكل الحراك توافقا وطنيا شارك فيه الجميع لإيقاف سطو أصحاب المال الفاسد على السلطة.
ويرى المتحدث، أن ما فعله الحراك كان عميقا من الناحية الاجتماعية، نظرا لسيطرة هذه الطبقة لعقدين من الزمن، همشت خلالها الطبقة المتوسطة، ورشت الطبقة الضعيفة. ولاحظ أن ما بعد الحراك عرف ديناميكية جديدة، الفاعلون فيها جدد أيضا. فممارسو الفساد في مرحلة ما قبل الحراك، وضعوا في الهامش. وبعدما كانت الكتلة الإيجابية قبل الحراك على الهامش، هي اليوم في صلب الأحداث، مرجعا السبب إلى التحديات الخطيرة المرتبطة بمصير الجزائر.
وتوقع ضيف «الشعب»، أن تكون المحليات في نفس أهمية التشريعيات من أجل إعطاء دفع من الجانب السياسي وحتى الاجتماعي. فحتى الرهان الذي رفعه رئيس الجمهورية من خلال تعجيله بالانتخابات هو الشرعية، تساهم في تطوير ديناميكية سياسية. لذلك كان على المصوت الاندماج في هذه العملية لإطلاق ديناميكية جديدة، أوجدها النمط المفتوح سيعطيها الرئيس قوة أكبر، ما سيخرجنا على الأقل من الفساد والرداءة، لننطلق في الرهان الاقتصادي والاجتماعي.
وصرح دخينيسة، أن الديناميكية الحالية تستند لديناميكية أخرى حول المجتمع المدني، الحوكمات وتوافق اجتماعي ومجتمعي، لتهيئة الظروف من أجل الانطلاق في القضايا الاقتصادية والاجتماعية. لكن لابد من توافقات بين مختلف التيارات لكسب جميع الرهانات التي ستكون وطنية أساسية، ما يبعد عنها الاختلاف الكبير بين التيارات السياسية عند تناولها.
وأكد المتحدث وجود إجماع بينهم لحساسية المرحلة التاريخية التي تعيشها الجزائر. فنحن اليوم أمام تحول مجتمعي سريع مثل الفردانية وتسريع الحياة. فديناميكية المجتمع هي التي جعلت المستوى السياسي يتفاوت، واليوم تحاول السياسة مسايرتها لتحقيق حوكمة عمومية، ما عدا ذلك لا يمكن الذهاب بعيدا.
في ذات السياق، استطرد «أن تجاوز مرحلة الفساد الذي كان يحكم كل شيء في فترة سابقة غير كاف، لأننا بحاجة إلى معرفة طريقة استيعاب الحركية المجتمعية. فالبعض مازال يشعر أنه مهمش وهو سبب عدم الترشح أو التصويت، «يجب أن يقتنع أنه مؤثر. وهذه هي السياسة وإلا سنذهب إلى نوع من التشدد أو «الراديكاليزم»، الذي لا يخدم المجتمعات الحديثة، لأنه لا يؤدي إلى شيء إلا إذا تم استيعابه».
ويعتقد في الوقت نفسه، أن رئيس الجمهورية سيتحاور مع المقاطعين، خاصة الأحزاب المعروفة ذات الوجود المجتمعي والبرامجي، حتى لا نبقى في قطيعة اجتماعية فئوية، ما يعني وجود فواعل أخرى في هذه الديناميكية. لكن الأهم خروج الجزائر من مستنقع النتائج المتحكم فيها والفساد، فالذهاب إلى الشرعية سيخلص الجزائر من عقدة الشرعية».
وقال أيضا، «لا يمكن الذهاب بعيدا دون دراسة حول سبب العزوف عن الانتخابات، لأن الحياة الإيجابية، أن ينخرط المواطن في المسارات المؤسساتية في المجتمع، تمثل مؤسسات سيادية كالبرلمان، المجلس البلدي، الولائي، المرصد الوطني للمجتمع المدني، المجلس الأعلى للشباب. يجب أن تهتم السلطة بالنبض الحقيقي للمجتمع وانشغالاته الحقيقية كتشغيل الشباب، الترفيه، التعليم، الصحة الجيدة، فهي الرهانات الحقيقة ولا يجب تضييع الوقت والجهد على مطالب عدمية».