خلّف 16 ألف و500 رسالة متواجدة بـ«إكس بروفانس»
قدّم الأمير عبد القادر الجزائري دروسا في التّسامح والتّعايش السّلمي والحوار ما بين الديانات واحترام حقوق الإنسان، فهو رجل الإنسانية لكل شعوب العالم، وهذا بشهادة العدو قبل الصديق، حيث اعتبره أسقف الجزائر «هنري تيسييه» من المؤسّسين الأوائل لفكر وثقافة التّسامح ما بين الديانات واحترام الشّعوب والحضارات، ويشهد له التّاريخ موقفه الشّجاع عندما تدخل سنة 1860 بدمشق ليضع حدّا للصّراعات الطّائفية التي وقعت بين المسلمين والمسيحيّين، حيث أنقذ أكثر من 15000 مسيحي، وقد مدحه قيصر روسيا لعمله الإنساني.
لم يكن الأمير عبد القادر بالرّجل العسكري، بل كان مفكّرا ومتصوفا في علوم الدين والعلوم الأخرى فكان رجل سياسة وفكر في أن واحد تخرج من الزاوية القاديرية، حيث وضع الأسس الأولى لدولة جزائرية حديثة بكل مؤسّساتها وعمل على توحيد الشّعب الجزائري، وحرص بجهاده على تحرير الجزائر من المحتل الفرنسي حاملا راية الإسلام، هذا ما أبرزته حفيدة الأمير والأمينة العامة لمؤسّسة الأمير عبد القادر زهور بوطالب من منبر «ضيف الشعب» بمناسبة الذكرى الـ 138 لوفاة الأمير عبد القادر.
وأضافت زهور بوطالب أنّ الأمير كانت له إسهامات على الصّعيد الدبلوماسي في بلاد الشام من خلال تعامله مع سفراء الدول والقناصلة، وكل هذه الإنجازات تحتاج لمحاضرات وكانت له مراسلات مع ملكة إسبانيا ومع إيطاليا وإنجلترا، هذه الأخيرة قدّمت له السّلاح لمحاربة فرنسا، حيث يصفه الكاتب الفرنسي المشهور فكتور هيقو بوريث يوغرطة، مشيرة إلى أنّها اطّلعت على الأرشيف العصماني فوجدت أنّ الأمير كانت له علاقات في كل أنحاء العالم ومع السلطة العثمانية بتركيا، بحكم أنّها كانت عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك ما جعل الإدارة الاستعمارية تراقبه عند زيارته لمدينة بروس.
في هذا السياق، نبّهت ضيفة «الشعب» إلى نقطة وهي أن الأمير عبد القادر كان ضد بعض الأتراك الذين كانوا في الجزائر، ولم يدافعوا عن الوطن ولم يكن ضد العثمانيّين، كما صحّحت مسألة تتعلق بخيانة المغرب للأمير، موضّحة أنّ المخزن هو من خانه وليس المغاربة، هؤلاء بايعوه وحملوا السلاح معه.
وتأسّفت حفيدة الأمير لحملات التّشويه التي طالت هذه الشخصية العظيمة والمجاهد المخلص، واتهامه بالماسونية والاستسلام، مؤكّدة أنّ الأمير عبد القادر لم يستسلم أبدا فقد أنقذ شعبه من سياسة الأرض المحروقة والإبادة الجماعية التي قام الجيش الفرنسي بوقف القتال، قائلة: «بعض إخوتنا في بلاد القبائل الذين يشتمون الأمير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يجب عليهم أن يعلموا أنّ أجدادهم كانوا من الأوائل المساندين للأمير، وغادرت مجموعة منهم معه إلى الشام وكانوا علماء كبار ينتمون للزاوية الرحمانية»، داعية لنزع كلمة استسلام من التاريخ وتمجيد عظمائنا قائلة :»لا ينبغي أن نجهل تاريخنا عندما نتحدّث عن الأمير عبد القادر، فإنّنا نتحدّث عن الجزائر بلادنا أنتجت عظماء من يوغرطة إلى آخر شهيد من 1954 إلى 1962 لا يجب إهمالهم».
وأشارت بوطالب إلى أنّ هناك أطراف تريد تدمير الوحدة الوطنية، لكنهم لا يستطيعون النيل من وحدتنا.
وتحدّثت رئيسة مؤسّسة الأمير عبد القادر عن علاقات مؤسّس الدولة الجزائرية الحديثة مع السنوسي بليبيا وبتونس وفي الحجاز، واستمرّت العلاقات مع أحفاد عائلة سنوسي، كاشفة على أنّ الأمير هو من طلب بطبع نسخ من القرآن الكريم عندما التقى بجمعية العلماء، وهذا ما يجهله الكثيرون.
وفي ردّها عن سؤال حول مراسلات الأمير مع رجال الدين في المعتقلات، أكّدت أنّ الأمير ترك 16 ألف و500 رسالة متواجدة بإكس بروفانس بفرنسا، فقد كان يكتب للجميع وبالعربية وهناك من كتب له، مبرزة أخلاق الأمير في الرد على كل المراسلات حتى من قبل الإنسان البسيط، فلم يحتقر أي شخص.
في المقابل، ترك الأمير إنجازات فكرية وأدبية، منها كتاب ألّفه في أمبواز وأكمله في بورسا بعنوان «ذكرى العاقل وتنبيه الغافل»، وكتاب رائع يسمى «المواقف» يتحدّث عن الحديث ويفسّره بطريقة رائعة، وأشارت الأمينة العامة لمؤسسة الأمير عبد القادر إلى أنّ الزاوية في عهد الأمير كانت على شكل أكاديمية يدرسون فيها الفلسفة الإغريقية والرياضيات والفيزياء، وكل العلوم وليس فقط مخصّصة لتعليم القرآن الكريم.
وأكّدت محدّثتنا أنّ أبناء الأمير جاهدوا في المغرب ضد الإسبان بقيادة الأمير مالك والأمير باشا في ليبيا والأمير عز الدين في لبنان، والأمير خالد أب النهضة الجزائرية، واستمرّ أحفاده في الجهاد، قائلة: «باعتباري حفيدته أكمل جهاد القلم ونعمّم التاريخ كي يفهمه كل واحد لتجنّب تحريف التاريخ».
وعن مشاريع مؤسّسة الأمير قالت بوطالب إنّهم بصدد العمل لتسليم المشعل للشباب لمعرفة تاريخهم في إطار الجزائر الجديدة، مشيرة إلى وجود صعوبات لأنّ معظم الكبار ماتوا.
ودعت ضيفة «الشعب» للكف عن ضرب الرّموز الوطنية لأنّها خط أحمر كلّهم استشهدوا من أجل تحرير الوطن بل ينبغي تمجيدهم، مشيرة إلى أنّها حين التقت ببتر مورار رئيس الصليب الأحمر بجنيف دعته لتنظيم مؤتمر مشترك حول الأمير، وقد سلّمته مؤلفات عن الأمير حول حقوق الإنسان للإطلاع عليها، حيث أعجب بها وقرّر الحضور إلى الجزائر.