توسيع التحليل الجيني ضرورة لحصر الوباء

غياب الأرقام الدقيقة يُعقْد مهمة محاربي كوفيد المتحوّر

زهراء ب.

عقّد «غياب أرقام دقيقة» عن حالات الإصابة بفيروس كورونا المتحوّر، بالجزائر، مهمة مهنيي الصّحة، في مواجهة السلالات الجديدة، ويقول البروفيسور محمد يوسفي، إن «الإحصائيات المعلن عنها لا تعكس ما هو موجود في الواقع»، بحكم نقص وسائل التشخيص الشامل والدقيق، وهنا تكمن الخطورة بحسبه، لأن السلالة الجديدة خصوصيتها أنها أكثر عدوى وانتشارا، ولحد الآن معهد باستور من يعلن أرقام الإصابات وليس وزارة الصّحة بالرغم من أنه معهد للتشخيص وليس ناطقا رسميا لها، على حد قوله.

يبدو أن الخروج من «نفق» وباء كورونا ليس بالقريب، أمام بروز سلالات جديدة وضعت المنظومة الصّحية للعديد من بلدان العالم بما فيها المتقدمة في امتحان الصمود، بعضها فشل وانهار، والبعض الآخر يقاوم بفضل تضحيات الكوادر الطبية، وممارسي الصّحة، بالرغم من نقص الوسائل وأدوات الكشف والتشخيص مثلما يحدث في الجزائر.
قطعت الجزائر شوطا كبيرا في محاربة الوباء العالمي، وإذا كانت قد وصلت إلى نتائج أقل ضرر فبفضل «التزام وتضحية مهنيي الصّحة، أفراد، ورؤساء مصالح»، يقول المختص في الأمراض المعدية ورئيس النقابة الوطنية للأخصائيين الممارسين في الصّحة العمومية، البروفيسور محمد يوسفي، لدى نزوله ضيفا على جريدة «الشعب».

 نقص وسائل التشخيص الشامل نقطة سوداء

وواجهت الجزائر في بداية ظهور الوباء «مخاوف كثيرة» بسبب هشاشة المنظومة الصّحية، وانعدام وسائل المجابهة، ولكن مع مرور الوقت تمكنت من تجاوز العجز بفضل تضحيات مهنيي الصحة، ولكنها اليوم تواجه وضعا مماثلا وأشبه ببدايات ظهور الوباء، بسبب انتشار السلالات الجديدة، النيجيرية الأكثر خطورة والبرازيلية والبريطانية والهندية والجنوب أفريقية.
أمام غياب «الأرقام والإحصائيات الدقيقة» عن عدد المصابين، ونقص وسائل التشخيص الشامل التي قال بشأنها البروفيسور يوسفي أنها تبقى «النقطة السوداء»، تبدو «المهمة صعبة» فلحد الآن لم تتمكن الجزائر، بحسبه من فرض التشخيص الدقيق والكامل، مثلما تقوم به عدة بلدان بما فيها المجاورة، وبقي التشخيص للمرضى الذين لديهم أعراض ويتقدمون للمستشفى.
يوضح البروفيسور يوسفي أن ضعف قدرات التشخيص الشامل «مشكل مطروح منذ سنوات وليس في الكوفيد فقط، بل حتى في الأمراض المعدية مثل الأيدز، حيث يستلزم قبل منح المريض الدواء القيام بالتحليل الجيني، وهذا عادي في البلدان الأخرى، ولكن في الجزائر غير متوفر ناهيك عن وجود معهد واحد فقط يقوم بهذا التشخيص هو معهد باستور».
لذلك الجميع يطرحون سؤال لماذا في البلدان الأخرى توجد آلاف الإصابات، وفي الجزائر لا؟، لأن 80 بالمائة من المرضى الذين بدون أعراض لا يمكن تشخصيهم، وكلما قمنا بالتشخيص كلما ارتفع العدد.
برأي البروفيسور يوسفي الأرقام المعلن عنها خارج السلالات الجديدة «حقيقية لأنها تشكل المرضى، ولكن يوجد في المجتمع من لا تظهر لديهم الأعراض ومصابين بالكوفيد المتحوّر، لذلك الوضعية المعلن عنها ليست هي الوضعية الحقيقية الموجودة، يوجد عدد أكبر من الإصابات المنتشرة في المحيط»، وهنا تكمن الخطورة، بحسب البروفيسور لأن السلالة الجديدة خصوصيتها أكثر عدوى وانتشارا، ولحد الآن معهد باستور من يعلن الأرقام، وليس وزارة الصّحة، بالرغم من أنه معهد للتشخيص.
ولعلّ التحدّي المطروح في هذه الظروف، لحصر الوباء، هو معرفة كم تمثل النسبة المئوية للسلالة الجديدة من مجموع السلالات المنتشرة، والمشكل بحسب البروفيسور يوسفي يكمن هنا، «لأن الخطورة في انتشار الفيروس المتحوّر، لذلك يجب توفّر لدينا النسبة المئوية، فإذا كانت تمثل 10 بالمائة ليس هناك خوف، ولكن إذا كانت تمثل 70 بالمائة هنا يجب طرح السؤال، حتى يعي المواطن خطورة الوضع مثل ما يحدث في بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، الهند، جنوب إفريقيا».
يقول البروفيسور يوسفي «طالبنا عدة مرات أن تكون فيه أكثر شفافية وتوفير المعلومة على الأقل للأخصائيين حتى نعرف كيف نخاطب المواطن، ويكون فيه جهد أكبر لوزارة الصّحة بالنسبة لإمكانية توفير وسائل التشخيص الشامل».
وعن الإجراءات الوقائية هي نفسها بالنسبة للسلالات القديمة والمتحوّرة.

تعليمات في الأوراق

كيف تعاملت وزارة الصّحة مع ملف كورونا المستجد والمتحوّر، يقول البروفيسور يوسفي، إن « الأخصائيين، يعون أن القضية ليست في الكفاءات، بل في بسط النظام والتنسيق»، وهذا للأسف ما كان مطروحا بعد إعادة تفعيل البرنامج الوطني لمكافحة الأوبئة الموجود منذ 2002، في 23 جانفي 2020 أي قبل وصول الوباء إلى الجزائر.
 وذكر أن كل التعليمات التي أعطتها وزارة الصّحة لوضع الميكانيزمات، والإمكانيات والتنسيق بين مديريات الصّحة عبر الولايات، لتخصيص مصالح خاصة لمعالجة مرضى الكوفيد، بداية بالأمراض المعدية، الأمراض الصدرية، الطب الداخلي ثم كل المصالح بحسب تطوّر الوباء، «بقي الكثير منها حبرا على ورق»، بعد ظهور الوباء في شهر مارس، واتضح بحسب المسؤول «أن المشكل لم يكن في الإجراءات وفي التعليمات، بل في التنسيق وتطبيق التعليمات، ولاحظنا غياب التنسيق بين نفس المصالح في الولاية، فمثلا عدد من الأسرة الموصى بتوفيرها 25 ألف سرير، ولكن لم نصل لهذا الرقم، وهذا يعطينا فكرة على التطبيق الفعلي والتنسيق بين المصالح، وحتى بين الولايات المتضرّرة وغير المتضرّرة».
واسترسل قائلا: كل المهنيين يعترفون بوجود تعليمات ولكن دون تطبيق وإذا قاومنا هذا الوباء وخرجنا بنتائج أقل ضررا فهذا قبل كل شيء بفضل التزام وتضحية مهنيي الصحة، أفراد، رؤساء مصالح، وأضاف «في بعض الأحيان مهنيي الصّحة لم يجدوا الدعم الكافي سواء عن طريق التنسيق بين المهنيين أودعم مباشر من وزارة الصّحة، لكن واجبهم دفعهم لمقاومة الوباء، بالرغم من أن الأمور ليست سهلة».

الدرس المستخلص

إذا كان الدرس المستخلص من الوباء، فسيكون حتما «الإسراع في علاج المنظومة الصّحية الجزائرية المريضة قبل وجود الكوفيد»، على حد قول البروفيسور، فالجميع «يشكو منها، المواطن والمسؤول، والكل يعلم أن الحل سياسي قبل كل شيء، وهووضع سياسة وطنية لصّحة عمومية جديدة» لذلك «وجّهنا نداء كنقابة إلى رئيس الجمهورية للتدخل، والنظر في وضعية الصّحة العمومية والأخصائيين العموميين».
تأسف البروفيسور يوسفي، بعدم إيلاء الأهمية لقطاع الصّحة على مستوى مجالس الوزراء والحكومات في السنوات الماضية، فأوّل مرّة «تحدّث رئيس جمهورية عن الصّحة، كان في أفريل 2020» والمفارقة أن الدستور يتكلم عن الحق في الصّحة والتعليم لكل مواطن جزائري.
وأرجع هذا التهاون في الإهتمام بقطاع حيوي وإستراتيجي إلى غياب إرادة سياسية إلى غاية السنة الماضية للتكفل بالمنظومة الصّحية، فقد تم سابقا الإكتفاء بضخ أموال كبيرة فيها دون نتيجة، بسبب سوء التسيير والجميع يعترف بذلك مثلما قال.
لم ينكر البروفيسور يوسفي تخوّف الجميع، من وقوع ضحايا بعدد كبير، بعد دخول الوباء الجزائر، خاصة وأن الوضعية الوبائية في أوروبا كانت تنذر بالأسوء، فقد تسبب الوباء في انهيار العديد من المنظومات الصّحية في بلدان متقدّمة، فما بالك بالجزائر.
لذلك يجب أن يكون الدرس المستخلص، يقول البروفيسور يوسفي «الإنطلاق في إعداد استراتيجية جديدة للمنظومة الصّحية، ومصارحة المواطن الجزائري بالحقيقة، وقول له ما الذي يمكن القيام به وما لا نستطيع، ونعيد الاعتبار للموارد البشرية التي لم نستثمر فيها للأسف، وهو ما أدى إلى هجرة الأخصائيين إلى القطاع الخاص والخارج، بالرغم من أن الجزائر استثمرت كثيرا في المنشآت، ولديها خريطة صّحية من أحسن الخرائط في العالم تضمّ قاعات علاج، وقاعات متعدّدة الخدمات في جميع المناطق».

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024